بحبالهم، ولا ترقى في جبالهم، ثم لم يزل يحفر الآبار، وينصب شباك المضار، وكاتب الإمام الهادي ثم الإمام المنصور بالله، ولما اشتد البلاء من العجم، كان مما هيج ذلك أن ابناً لإبراهيم بن عبد الوهاب كبير رجال ألمع، طلبه متصرف عسير محمد أمين باشا، وكان عليه وعلى من تحت ولايته خمسمائة ريال، فأغلظ عليه الباشا وطلب منه ألفاً، فقال: إن القطع على كذا، فقال المتصرف: لا بد أن تسلم ألفي ريال، ثم أخذوه، وحلق لحيته، فأظهر الرضا بالألفين، وخرج إلى قومه، وكانوا أمنع رجال عسير، فأراهم حلق لحيته، وما لحقه من الضيم والعار، وهتك العرض، فشمرت القبائل، واجتمعت كبار رجال عسير، وتحالفوا على الفتك بالأتراك، وتقدموا إلى محل الشعبين، فخرجت عليهم العجم إلى خارج البلد، ومعهم المتصرف والقومندان وزهاء ثمانمائة مقاتل من الأتراك، وما زالت ترمي بمدافعها وبنادقها، ولما مالت الشمس كبر أهل عسير، وقصدوا الأتراك بالطعن من الأكف بخناجرهم، فرموهم فلم يؤثر فيهم، وقصد الشيخ المحلوقة لحيته صاحبه المتصرف فقتله، فانهزمت العجم، ووقع القتل فيهم إلى قريب المائة، وأخذ رجال عسير مدفعين للأتراك، وجملة من بنادقهم وقتلوا مع المتصرف قومندان الأتراك وأحمد آغا وخير الدين رئيس الخيالة وغيرهم من أعوانهم من العرب، وانحازت الأتراك لمركزهم الشعبين، ولما علم الناس بهذه الفتكة والغنيمة أوقدوا النيران على رؤوس الجبال لإعلان البشرى، فما زالت تأتي الأقوام من تلك البلدان، وقد علموا أن للعجم مالاً عظيماً مما جمعوه من بلاد عسير، وخافوا فرار العجم ليلاً بالمال، فرتبوا الطريق باثنتي عشرة مائة مقاتل ومختفين، فخرجت العجم ليلاً خشية أن يحال بينهم وبين أبها مركز البلاد العسيرية ومن فيه من الأتراك، قال القاضي حسين العرشي راوياً كلام الحاج حسن العسيري المذكور:
حتى إذا توسط الأتراك العقبة أخذ الكمين من العرب في أسفلها، واستقبلهم الجم الغفير من العرب أعلاها، فعركوهم هنالك عرك الأديم، وأخذوا ما أجلبوا به جميعاً من الخيل والمتاع والكراع والسلاح، حتى بلغت الغنيمة من الريالات إلى خمسين حملاً مما تحمل على الجمال، وانجلت المعركة عن قتل نحو أربعمائة من العجم، وقتل في اليومين من رجال عسير سبعة عشر رجلاً فيهم إبراهيم بن عبد الوهاب، وانحصر من بقي من الأتراك في أبها في حصن السقا فيها، فتهافتت عليهم القبائل، وكانت تلك الحرب يوم الأحد سابع وعشرين ويوم الإثنين ثامن وعشرين شعبان، ثم طلب من انحاز في حصن السقا من العجم وهم إلى تسعين رجلاً الأمان من الأمير علي بن محمد بن مرعي، مشروطاً بخروج من في أبها، فقبل منهم على أن يأدوا إليه السلاح عند خروجهم.
قال: وأما من في أبها فدبت إليهم الأبطال، وأحاطت بهم الرجال، إلى قدر خمسين ومائة مقاتل، وحضرت بعض النساء تعين الرجال.
قال: ورحلت بكتاب الأمير إلى الإمام بهذه البشرى يوم الثلاثاء 29 الشهر وسمعت الحرب خلفي، ثم كتب الإمام المنصور جوابه على أمير عسير المذكور، وجعل في رأس كل مكتوب منه آل عقال بلاد عسير هذه الأبيات:
كذا تؤخذ الثارات بعد التمانعِ ,,, وتظهر أرض بالحداد القوالعِ
صدى ضربات صوتت بلغاتها ,,, ونادت بأفواه الرماح الشوارعِ
قطعن بها يافوخ بغي مضاعفٍ ,,, أكف طعن بينات القواطعِ
بأيدي رجالٍ من عسيرٍ ثوابت ,,, أسودهم عند اللقا والزعازعِ
بنوا من بيوت العز والمجد شامخاً ,,, منيعاً فلا يلقى له من مُضارعِ
رجالُ عَسيرٍ شَرَّفَ اللهُ قدرهمْ ,,, وأعطاهمُ الأجرَ الذي للمقارعِ
أبادوا بغاةَ التركِ قتلاً وأشبعوا ,,, طيورَ السما والوحش حتى الجوائعِ
لصبر قليل بعدَه كل راحةٍ ,,, هو المجد يا قحطانُ بعد التمانعِ
يقودكمُ قِرمٌ إذا الموت حلقتْ ,,, عجَاجَتُهُ ما بينَ تالٍ وسَامعِ
علي بنُ مرعي الذي شق عزمه ,,, قتامَ علوجِ الرومِ بعد التنازعِ
بثوبٍ نظيفٍ لم يدنسهُ ظالمُ ,,, ولم يكُ في إخوانهِ بالمبايعِ
فقد نلتمُ المجدَ الذي طارَ ذكرهُ ,,, مَطارَ رياحٍ فوقَ عنقِ الوقائعِ
غنمتمْ من الأموالِ ما طابَ غُنمهُ ,,, وسُقتم بغاةَ الرومِ سَوقَ المسارعِ
وفيما أفاءَ اللهُ أن رؤوسَهمْ ,,, أبتْ أن ترى أبدانَهم في المجامعِ
فإيهٍ بني قحطانَ شبوا ضِرامها ,,, ولظوهمُ بالضربِ خير القوارعِ
وحَاموا على الإسلامِ مِنْ قبلِ هدمهِ ,,, لذريةٍ من بعدكمْ ومُتابعِ
ولا تتوانوا قبلَ تطهيرِ أرضكمْ ,,, ولا تقبلوا منهم أمام المخادعِ
فلوا ظفروا من بعدِ قتلِ كِبارهمْ ,,, لأفنوكمُ واللهُ عَون المطاوعِ
وطاعتُكم آل النبي محمدٍ ,,, زِمامُ يقينٍ جَالبٌ للمنافعِ
وكتب إليهم أنه لا بد بفتح الأعمال، وأنه قد أمر بإعلاق النيران، وأنهم لا ينخدعون بأمانات الأتراك الكاذبة، وكتب في أعلا المكتوب منه إلى الأمير علي بن محمد بن مرعي بخطه:
فلا تتوانى أيها الماجدُ الأغَرْ ,,, فأنتَ المُرَجَّى للأمانِي والظَّفَرْ
ومَنْ خَالطَ الأتراكَ من ظُلُمَاتِها ,,, فلا يَركَنَنْ بالغُنْمِ إلا كَمَنْ غَبَرْ ".
انظر كتاب " أئمة اليمن " للعلامة المؤرخ زبارة ص 316
¥