أهل المغازي، وقد يكون تساهله في قبول الأخبار سبب المنافرة بينه وبين الإمام مالك الذي كان يشترط الصحيح ويشدد فيه [انظر تفاصيل تلك المنافرة في ترجمة ابن اسحاق من الذهبي، السير، (م. س) ج 7، ص 51] وحتى أحمد بن حنبل، قال فيه: (لم يكن يحتج به في المسند) [الذهبي، السير، (م. س) ج 7، ص 46] وكذلك الحال في الواقدي الذي كذبه بعضهم واحتج به آخرون في المغازي.
والأمر الثاني: الفرق الجوهري بين المحدث والمؤرخ الذي دعي باسم ((الأخباري)) عند المحدثين [انظر الإشارة إلى ذلك في ابن حجر، نزهة النظر، تح. د. نور الدين عتر، دمشق، دار الخير، " المقدمة "]
فالمؤرخ إنما يعتني بتوثيق الحدث وإيراد كل ما عنده من أخبار في ذلك بينما يتوجه المحدث إلى تحري الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتمييز المقبول من المردود لأنه يتكلم في الحلال والحرام.
وعلى كلٍّ فقد كان العلماء في الصدر الأول (القرون الثلاثة الأولى) يعتمدون على قاعدة مفادها: ((من أسند إليك فقد حَمّلك)) ومن ثم كانوا يوردون الأخبار بأسانيدها، والعهدة على الإسناد لكون ذلك شائعًا في تلك المرحلة التاريخية.
ولم يتم توظيف منهج النقد في سياق الأخبار التاريخية إلا في محاولات جزئية في الحوادث الخاصة بالسيرة كالمغازي وغيرها مما يتصل اتصالاً وثيقًا بالحلال والحرام أو بشخص النبي صلى الله عليه وسلم كما وجدنا في بعض الكتب الستة، وبدا ذلك أيضا عند المتأخرين كابن كثير (774هـ) في البداية والنهاية الذي تعرض فيه لنظرات نقدية مبثوثة في كتابه ولكنها تبقى جزئية.
4 - نقد المحدثين لكتب المغازي والسير:
سبق أن أشرت إلى أن للمحدثين نظرات نقدية في كتب المغازي نعرض لبعضها هنا كم خلال كتب ابن إسحاق والواقدي وموسى بن عقبة.
1 - ابن إسحاق:
قال الخطيب البغدادي: ((أما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرف العناية إليها محمد بن إسحاق المطلبي ومحمد بن عمر الواقدي، فأما ابن اسحاق فقد تقدمت منا الحكاية عنه أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم ويضمّنها كتبه وروي عنه أيضًا أنه كان يدفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليلحقها بها ... )) [الخطيب، الجامع، (م. س) 2/ 163].
وقال ابن عدي: (قد فتشت أحاديثه [يعني ابن إسحاق] فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو يهم كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به)
قال الذهبي: (لا ريب أن ابن إسحاق كثَّر وطَوَّل بأنساب مستوفاة، اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة، حذفها أرجح، وبآثار لم تصحح، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح وتصحيح، ورواية ما فاته) [الذهبي، السير، (م. س) ج6، ص 115 - 116].
2 - الواقدي:
قال الخطيب: ((وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض، وكلام أئمتهم فيه طويل عريض .. قال الشافعي: (كتب الواقدي كذب ... )، فما روي من هذه الأشياء عمن اشتهر تصنيفه وعرف بجمعه وتأليفه: هذا حكمه فكيف بما يورده القصاص في مجالسهم ويستميلون به قلوب العوام من زخارفهم؟! إن النقل لمثل تلك العجائب من المنكرات، وذهاب الوقت في الشغل بأمثالها من أخسر التجارات) [الخطيب، الجامع، (م. س) 2/ 163].
وقال أبو داود: (ليس ننظر للواقدي في كتاب إلا تبين لنا أمره، وروى في فتح اليمن وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديث الزهري) [الخطيب، تاريخ بغداد، بيروت، الكتب العلمية، د. ت ج3، ص 15].
وقال ابن حبان: (كان [يعني الواقدي] يروي عن الثقات المقلوبات، وعن الأثبات المعضلات حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك) [ابن حبان، المجروحين، تح. محمود زايد، حلب، دار الوعي، ج2، ص 290].
وقال ابن عدي: (متون أخبار الواقدي غير محفوظة هو بَيِّن الضعف والبلاء منه) [ابن عدي، الكامل، تح. يحيى غزاوي، بيروت، دار الفكر، ط3، 1988، ج6، ص242].
3 - موسى بن عقبة
قال الشافعي: (( ... وليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة مع صغره وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره))
¥