تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويجمل بفانموللر تقويم كتب السيرة من كتاب ميشيل بودييه الصادر سنة 1625 إلى كتاب جوستاف فايل سنة 1843 فيقول: " كانت كل الكتب عن حياة محمد حتى ذلك الوقت لا تزال تستند باستمرار بدرجة - تقل أو تكثر - على كتاب جان جانييه الذي ظهر قبل ذلك بقرن من الزمان.ولكن جانييه لم يضع لنفسه مهمة وصف محمد كما كان، بل كان يكتفي بترجمة المصادر العربية ويضعها ببساطة بجوار بعضها دون أي نقد ولم يخطر ببال أحد ممن جاؤوا بعده أن يقارنوا الترجمة التي قدّمها بالنصوص الأصلية، ولم يُخضعوا مضمونها لنقد تاريخي فقد أخذ كل منهم ما استطاع أن يستخدمه في كتاباته، وإذا حدث أن استخدمت بعد ذلك مصادر أخرى لسيرة محمد غير تلك التي كانت متوفرة لجانييه فإن ذلك كان يحدث بسطحية وغفلة لا يلتقيان بالتاريخ ". [بفانموللر، فصول مترجمة من كتاباته، (م. س) ص 131].

إن كثيرًا من دراسات المستشرقين لم يسلم من المؤاخذات وهذا نتيجة طبيعية لما قدّمناه قبل من ملحوظات منهجية حول دراساتهم، لكن كثيرًا منها أيضًا لم يلتزم المنهج العلمي فقد غالى بعضهم فارتاب في وجود النبي صلى الله عليه وسلم وعدوه شخصية أسطورية ومن هؤلاء المستشرق الروسي تولستوف الذي أكد أن الإسلام نشأ من أسطورة مستمدة من اعتقادات سابقة تسمى " الحنيفية ". [انظر، ساسي سالم الحاج، الظاهرة الاستشراقية ج3، ص 59].

ألحّ المستشرقون كثيرًا على دراسة البيئة التي نشأ فيها الإسلام وذلك للبرهنة على أن الإسلام ونبيه تأثرا بهذه البيئة وكانا نتاجًا طبيعيًا (بشريًا) يلبي احتياجاتها. بل إن الأب هنري لامانس خصص دراساته " مهد الإسلام " و " مكة عشية الهجرة " و " مدينة الطائف عشية الهجرة " وغيرها لإثبات ذلك. [ينظر ساسي، الظاهرة، (م. س) 3 ص 28].

وقد حاول ماكسيم رودنسون تفسير البعثة المحمدية تفسيرًا مادياً من خلال تركيزه على الموقع الجغرافي لمكة وتجارتها وغير ذلك ليثبت أن الدعوة قامت لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى [انظر كلامه في: ساسي الظاهرة، (م. س)، ج 3، ص 64 - 65].

ثم جاء هيوبرت جريم في نهاية القرن التاسع عشر ففسّر الرسالة المحمدية بأنها دعوة إلى نوع من الاشتراكية ومحاولة للإصلاح الاجتماعي تهدف إلى تغيير الأوضاع الفاسدة وعلى الأخص إزالة الفروق الصارخة من خلال فرض " ضريبة " على الأغنياء (الزكاة) وتخويفهم من عذاب الآخرة كوسيلة للضغط النفسي. [انظر آراء هيوبرت في: ساسي، الظاهرة، (م. س) ج 3، ص 116].

وهذه الإسقاطات كثيرة في مناهج المستشرقين فهذا رودنسون ينطلق في تخيل شخصية النبي صلى الله عليه وسلم معتمدًا على منهج التحليل النفسي عند فرويد. [انظر التحليل المشار إليه في: ساسي، الظاهرة، (م. س) ج 3، ص73]

ويفسّر مونتغمري واط الوحي بأنه شعور داخلي صادق وسبب الفرق بين القرآن والحديث أن الحديث صدر عن العقل الظاهر والقرآن صدر عن العقل الباطن [انظر كلامه: د. أكرم العمري، موقف الاستشراق من السنة والسيرة، بحث منشور في مجلة مركز بحوث السنة والسيرة ع / 8 سنة 1995 ص 60، 61].

ويعتمد كثير من المستشرقين منهج الشك الديكارتي في تعاملهم مع الخبر التاريخي متجاهلين تمامًا معايير النقد الإسلامية، ومن ثم كان بدهيًا أن تقع مصادمات كثيرة بين دراسات المستشرقين ودراسات المسلمين، فهذا رودنسون يشك في محبة أبي طالب للنبي متسائلاً: " ألم تكن هذه القصص من قبيل تحريف سير القدِّيسين؟! " [انظر كلامه في: ساسي، الظاهرة، (م. س) ج3 ص 68] وكذلك يشكك في قصة الحجر وغير ذلك. بل إن واط شك في ولادة النبي بعد وفاة والده [انظر: وات، محمد في مكة، ج1، ص 65 عن ساسي، الظاهرة، ج 3، ص 61] وبناء على ذلك شكك الكثيرون في حادثة " شق الصدر " والمعجزات وغيرها. يقول درمنغم: " لقد ابتعدت عمدًا عما هو ظاهر الوضع وعن المعجزات التي اختُرعت بعد وفاة النبي بقرنين وعما هو غير محتمل " [درمنغم، حياة محمد، (م. س) ص 12]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير