تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا بد أيضًا من الإشارة إلى الموقف من المعجزات النبوية وإثباتها حيث إن للرسول صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة وإن كان القرآن معجزته الدائمة الباقية.

إنَّ إثبات المعجزة الخالدة (القرآن الكريم) ونفي بقية المعجزات الثابتة بالنقل الصحيح إنما هو في الحقيقة خضوع وانصياع للفكر المادي والفلسفات الوضعية، ولا بد للمسلم من الاستعلاء والاعتزاز الذي يحقق له الاستقلال التام في النظر والبحث العلمي. ومن ثم فإن هذا البحث عُنِيَ بإثبات المعجزات جميعها عندما تثبت بالنقل الصحيح.

وقد اهتم البحث بالإشارة إلى الأحكام الفقهية وتاريخ تشريعها، لأن التأريخ للسيرة ينبغي أن يعنى بالجانب التشريعي الذي يحتكم إليه المجتمع ويوضح الضوابط الخلقية والقانونية التي تحكم حركة الأفراد والجماعات، ولا يمكن الفصل بين الجانب السياسي والعسكري والجانب الخلقي والتشريعي خاصة في القرون الأولى من تاريخ الإسلام حيث تتشابك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بالعقيدة والشريعة تشابكاً وثيقاً بحيث يصعب فهم حركة التاريخ في تلك المرحلة دون فهم روح الإسلام ومبادئه.

وقد لاحظ البحث إعطاء مساحة مناسبة لحركة الفرد إلى جانب الحركة الجماعية فمن خلال بعض الشخصيات تظهر ملامح وأبعاد الحركة التاريخية لقوة فاعليتهم وأثرهم في دفع عجلة التاريخ، فليس من الصحيح إهمال أخبار الأبطال التاريخيين بحجة أنهم مجرد دمى في حركة المجتمع الواسعة. ولكن هؤلاء الأفراد لم يبرزوا لمجرد تفوقهم وامتيازهم على أقرانهم ووجود الاستعداد عندهم؛ إذ ما كانت هذه السمات المميزة لتظهر لولا العقيدة التي مست شغاف قلوبهم وأوقدت وهجًا منيرًا في عقولهم وبصيرة عميقة في نفوسهم، فكان أن حدث التغيير الكبير في بناء الشخصية العربية ومقوماتها، وهذا الفهم سيعطي الفضل الأكبر للعقيدة ويمنع الانزلاق نحو تمجيد " الفردية " والإغراق في غرس نزعة الاستعلاء والغرور. ويكفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بطل الأبطال كان ينحني لله تعالى ويخشع بالدعاء ويرد إليه الفضل أولاً وآخرًا في كل نصر وفتح.

ولا يجد القاريء أي اهتمام بالرد على الشبهات التي أثارتها بعض الدراسات الحديثة في موضوعات السيرة وخاصة دراسات المستشرقين سواء كانت نتيجة تعسف في تفسير النصوص والأحداث بسبب الأهواء الدينية والعنصرية، أو بسبب سوء الفهم للغة العربية أو للإسلام وأحكامه ونظمه ومقاصده؛ وذلك لأن هذا المؤلَّف قصد إلى رسم معالم السيرة بصورة صحيحة، وهو جانب إيجابي يستحق أن يُفْرَد فيه مصنف، ولا يعني ذلك التقليل من أهمية تصحيح الأخطاء سواء كانت عفوية أم مقصودة، وقد نهضت بهذا العبء دراسات أخرى في الموضوع، وإن كنت أعتقد أن الاهتمام بالتاريخ الإسلامي ينبغي أن ينصب أولاً على إعادة البناء قبل تناول الشبهات.

إن هذه الدراسة التي أقدم لها لا تمثل طموحي، ولكنها محاولة للإفادة من منهج المحدثين في نقد الرواية التاريخية، ويظهر فيها التركيز على نقد الأسانيد والرواة إلى جانب نقد المتن، وخاصة في عملية الانتقاء من مجموع الروايات الضخمة التي دونها القدامى في السيرة. إذ أن الاعتماد على الروايات التي صححها النقاد القدامى أحياناً، أو الإفادة من منهجهم في تصحيح أو تضعيف ما لم يحكموا عليه من الروايات، هو أهم ما تهدف إليه هذه الدراسة، لينال البحث ثقة القاريء، وليعطي أصدق صورة عن السيرة.

وقد تبرز معان خلقية ودينية مؤثرة في الروايات التي أهملتها، لكنني لم أكترث لذلك ما دامت ضعيفة الثبوت، وقد ظهر جليًا أن الاعتماد على صحيح الروايات وَحَسَنها يكفل توضيح الأبعاد التاريخية للسيرة النبوية دون حاجة إلى الضعيف من الروايات.

ويلاحظ القاريء أن الروايات الضعيفة من الناحية الحديثية لم تستبعد نهائيًا بل تمت الإفادة منها في الموضوعات التي لا تتعلق بالعقيدة أو الشريعة، حيث لم نجد روايات صحيحة وفق معايير المحدثين، حيث يمكن التعامل معها وفق معايير منهج النقد التاريخي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير