تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قبل أن نباشر بتطبيق هذا المبدأ على كلمات من القرآن الكريم، نودّ أن نسلّط بعض الضوء على مفهوم الكلمة القرآنية التي نحن بصددها هنا. وقد وجدنا بُعداً جميلاً لهذا المفهوم عند الأستاذ محمد العفيفي، في قوله: "إن كل كلمة في القرآن تعطيك مع اتصالها فصلاً خاصّاً بها وحدها، لا يتكرّر في القرآن كله بعد ذلك .. " (). وهو يؤكّد على أن "تفصيل القرآن هو التطابق المطلق بين مواقع الكلمة القرآنية مهما تعدّدت مواقعها، وبين عدد الحقائق التي تقدّمها مواقع كل كلمة قرآنية. فعدد مواقع كل كلمة قرآنية هو نفسه عدد حقائقها" (). ويقول في موضع آخر: "كلما تدبّرنا أي كلمة قرآنية متعدّدة المواقع في موقع جديد من مواقعها، فإن تعداد المواقع إنما هو تحقيق الاستجابة لحاجاتنا إليه" (). ثم يخلص العفيفي إلى القول بأن "تعدّد مرات ورود أى كلمة في القرآن، دليل على ثبات هذه الكلمة، وحاجتنا نحن المخلوقين إلى عدد من الحاجات، قدّرها الخالق سبحانه تقديراً، فجاءت في كتابه العزيز آية قرآنية مفصّلة تفي بهذه الحاجات، على مستويات الفكر الإنساني والعمل الإنساني كما وصلهما الله بالحياة" ().

ويؤكّد على أن "الكلمة القرآنية مهما تعدّدت مواقعها، فقد أتت مرة واحدة، والحاجات هي التي تكرّرت، بدليل أن القرآن ليس به أي إضافة عددية لكلمة من كلماته، دون حاجة حقيقيّة يأتي ذكرها مفصّلاً ومحكماً لا مكان معه لتكرارنا لكلامنا العادي" (). وذلك ليقرّر بحُكم قاطع أن "النظر في كلمات القرآن على أساس البُعد العددي لمواقع كل كلمة في سائر الآيات التي جاءت فيها الكلمة القرآنية، إذا وعينا هذه المواقع تفصيلاً وتوصيلاً، فقد وعينا عدد الحقائق السماوية لها تفصيلاً وتوصيلاً" ().

لقد استوحى الأستاذ العفيفي من هذا المفهوم للكلمة القرآنية أن الله سبحانه وتعالى ربط كل كلمة في كتابه العزيز مع جنسها من الكلمات الأخرى، وجعل منها شخصيّة واحدة مرتبطة بذاتها، هي شخصيّة القرآن الكريم. ولذلك وجب علينا عند التعرّض لأي كلمة قرآنية أن نتدبّرها من خلال اتصالها بمواقعها وعلاقاتها في القرآن كله. ولعلّ هذا التصريح الذي أدلى به الأستاذ العفيفي قيّم وجميل، إلا أنه يشعرنا بجزء ضئيل من عظمة المقصود في هذا الوجه من الإعجاز القرآني.

فالأستاذ العفيفي لم يبّين مدى تفوّق الكلمة القرآنية على غيرها من الكلمات، ولم يوفّر لنا الإجابة على أسئلة كثيرة أخرى، منها: أين نجد البناء القولي للكلمة القرآنية بالثبات والحقيقة المرتبطة بها؟ وما هو العلم الذي يمكننا أن نصله من خلال السياق للكلمة القرآنية إذا توالت صِلاتنا بها في كل موقع من مواقعها؟ ثمّ أين نجد الفصول الخاصّة التي ترسمها لنا الكلمة القرآنية من خلال تعدّدها في مواقعها عند اتصالها بسياقها القرآني؟

وهذه التساؤلات تحثّنا على افتراض بُعد جديد يكمل ما انتهى إليه العفيفي، وذلك للكشف عن الحقيقة التي تعبّر عنها الكلمة القرآنية من خلال تعدّدها في مواقعها. وإن من القواعد التي ننطلق منها لفهم هذا البُعد مبدأ الإحالة الذاتية. ولنضرب مثلاً يقرّب ما نرمي إليه إلى الأذهان: فإن قلت لك: «هذه الجملة تحوي كلمة "تحوي"». هل هي صحيحة؟ إن هذه الجملة انعكاسية وهي تحيل على قضية لغوية لأنها تتكلّم عن نفسها. ستقول إذن: إن الجملة صحيحة لأنها تحوي بالفعل كلمة "تحوي". ولكن ماذا بالنسبة لهذه الجملة: «هذه الجملة تتكوّن من خمس كلمات»؟ فهل هي صحيحة؟ الجواب هو طبعاً بالنفي. لأنك إذا قمت بإحصاء الكلمات الواردة فيها، ستجد أن عددها هو ستة، وليس خمسة، ولذلك كان من المفروض أن تقول: "هذه الجملة تتكوّن من ست كلمات"!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير