تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أشرت من قبل إلى المقالات التي كان يكتبها المهندس الأديب عبدالرحمن النور في مجلة اليمامة الأسبوعية التي تصدر في الرياض. وقد نشر منها ثمان حلقات ثم توقفت لأسباب لا أعلمها ولا الكاتب نفسه حسب قوله. وقد طلبت منه إرسال مقالاته التي نشرت لنشرها هنا، حيث تعرض إلى موضوع النص المفتوح في إحدى مقالاته. وقد قرأت المقالات فرأيت أنها مترابطة وممتعة في الوقت نفسه، فرأيت نشرها هنا كلها لتأتي المقالة عن النص المفتوح في مكانها الصحيح من حيث ترابط الفكرة التي بنيت عليها. والله الموفق لكل خير ودونك المقالات واحدة تلو الأخرى ..

[ line]

المقالة الأولي

(سيدة القص و النص)

أجل ... أيتها الرواية.

يا سيدة القص و النص.

هاهي جماهيرك الغفيرة تمتطي صهوات الروايات والحكايات و النبوءات كلها، ثم تحلق خلف غيب الغمام البعيد؛ لتأتي لك بالأخبار؛ لتكشف لك الأسرار، و هي تتهامس .. تتساءل ... هل جاء فارسك المنتظر؛ فارس الروايات و الحكايات و الأسرار؟!

فكيف لجماهيرك أن تصدق أن رجلا حكم أرض العراق بكل أركانها الأربعة يستسلم بهذه السهولة لجبروتك، دون قيد أو شرط، إن لم يكن يريد أن يكون ذاك الروائي المنتظر؟!

كيف لجماهيرك أن تصدق أن من يراه الناس دكتاتورا عنيدا؛ يضع رقبته في أغلالك؛ و يديه و رجليه في قيدك؛ كي تسحبيه في طرقات حكاياتك على قفاه طائعا مختارا، لأكثر من ثلاث مرات متشابهات؛ كي تصلبي جسده في ميادين نصوصك طائعا مختارا، وسط صيحات جماهيرك المخيفة المتوحشة المتعطشة لرواية الملحمة، ملحمة الحرب و الحب معا، ملحمة الموت والحياة معا.

أجل ... أيتها الرواية.

يا سيدة القص و النص.

فمنذ طفولتي الأولي، روعتني أحداث ضخمة عجيبة تفجرت في عيني و عقلي في آن واحد، مثلما تفجرت الحياة في وعي و أنا في سن السابعة؛ فصرت أبحث عن جواب لسؤال يحيرني وهو: لماذا تحدث كل هذه الأِشياء؟!

بدأت قراءة الروايات و قراءة الأحداث فيها، و أنا أفتش عن سر ما يحدث في هذه الحياة. ثم كبرت؛ و أخذتني الأيام في تفاصيلها؛ فهجرت قراءة الروايات إلا من شيء يسير هنا أو هناك، وقد كنت أسأل نفسي: لماذا يحرص الجميع على أن يكونوا روائيين؟ و لماذا هذا القلق و المتابعة العارمين لقراء الرواية؟ و لماذا تحرص هذه الجماهير الغفيرة من قراء الروايات على متابعة الجديد في عالم الروايات، و الاحتفاء بأي موهبة روائية عند أول إصدار، بشكل يوحي بنفاذ صبر تلك الجماهير، وكأنها تنتظر شيئا ما، و كأنها على موعد مع معجزة ما، و كأنها تنتظر الكشف عن سر ما، وكأنها تتوقع حدث ما؟!

ثم بدأت أمارس هواية أخرى، وهي قراءة هذه الحياة كنص مفتوح على كل الاحتمالات، وهي هواية قادتني إلى أسرار عظيمة على أية حال، منها ما أسميه أسرار النهايات، أو فلسفة النهايات أو علم النهايات وهو علم خطير بكل معنى للكلمة، وحين بدأت بقراءة رواية صدام حسين الأخيرة، المعنونة " اخرج منه يا ملعون " لأعرف سر نهايته؛ بدأت كل الأسئلة التي عصفت بذهني تدفعني بقوة إلى أن أحاول أن أكشف لنفسي سر ظهور فن الرواية و إلى أين ستنتهي الرواية؟

يقول أحمد محمد عطية في مقدمة كتابه (الرواية السياسية، دراسة نقدية في الرواية السياسية العربية):

" الرواية هي أكبر الفنون الأدبية عمقا و اتساعا، لأن معمارها الفني يشمل أساليب التعبير الشعرية و القصصية و الدرامية، ويضيف إليها تصوير المجتمع، والتعبير عن ضمير الإنسان و أشواقه و مصيره، واستيعاب التاريخ و التنبؤ باتجاهات المستقبل، وقد تطورت الرواية من أداة للتسلية وحكايات المغامرات و الأساطير إلى أداة فنية للوعي بمصير الإنسان وتاريخه و نفسيته و وضعه في المجتمع، يمكن بواسطتها رصد و ضع الأمة من خلال شخصيتها الروائية الفردية، فأصبحت الرواية طاقة سياسية و اجتماعية هامة تعبر عن روح الأمة و مشكلاتها و طموحاتها، وبسبب حظوتها لدى جماهير القراء و قابليتها للتحول إلى الفنون الجماهيرية الحديثة كالسينما و التلفزيون و ترجمتها إلى اللغات العالمية صارت الرواية الشكل العالمي المعمم للثقافة أو كما يقول البيريس: " إن الرواية لتقوم بدور الكاهن المعرف، والمشرف السياسي، وخادمة الأطفال، وصحفي الوقائع اليومية، والرائد و معلم الفلسفة السرية، وهي تقوم بهذه الأدوار كلها في فن عالمي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير