يهدف إلى أن يحل محل الفنون الأدبية جميعا، ويمكن أن يكون في أيامنا شكلا معمما للثقافة "
أجل ... أيتها الرواية.
يا سيدة القص و النص.
قولي لجماهيرك ... و أنت تتربعين فوق عرش الكتابة الذهبي، ذاك الذي أرتمي تحت أرجله الحكام و الوزراء و السفراء و الكتاب و الشعراء و الصغير و الكبير من الناس؛ طلبا لقربك، ما الذي يريده من يكتب الرواية، ما الذي يريده من يقرأ الرواية؟
قولي لنا أيتها الرواية ... يا سيدة النص والقص، بعد أن كبرت لأربعة قرون، و أنت تكتملين شبابا و فتنة فوق عرش الكتابة الدري، في القرن الواحد والعشرين، مثل مجرة درية تطوف الكون لمستقر لها، هل حان وقت من تنتظرين؟
قولي لنا إن كنت تعرفين ..
من هو؟!
من أي قوم هو؟
في أي أرض هو؟!
في أي زمان هو؟!
أنا لا أدرى ما الذي كان يدور في ذهن صدام حسين و هو يكتب روايته على صوت قرع طبول الحرب، و لكنني أعترف لكم، أنني اندفعت بكل طاقاتي في قراءة روايته، لعلي أجد سر الرواية المكنون، فانتهي بي الأمر إلى كتابة هذه المقالات القصيرة، وهي باختصار قراءة في عالم الرواية، تلك التي فتنت الناس و ما تزال، وهم يطوفون بين أروقة دور النشر و يستمعون إلى أحاديث مجالس الرواية ونقد الرواية في انتظار ذلك القادم من رحم الغيب، ذلك الروائي المنتظر، لتزفه الجماهير إلى سيدة القص و النص، ليحكي لها أسرار الليل و النهار، ليحكى لها ما عين رأت، وما أذن سمعت، وما خطر على قلب بشر.
فأي سر أنت .. أيتها الرواية؟!
يا سيدة القص والنص معا.
[ line]
المقالة الثانية
قراءة في عالم الرواية، لماذا و كيف؟
منذ الدهشة القصصية الأولي، عند قراءتي لقصة عنترة بن شداد حين رأيت نفسي أقف إلى جانبه و هو يصارع الصحراء و كائناتها المخيفة، و حيدا أعزلا إلا من دلالة سواد لونه و شجاعته وسيفه، منذ تلك اللحظة أحببت قراءة القصص، ثم انتقلت إلى قراءة الروايات، و صرت أبحث في كل رواية أقرئها عن نفسي، و عن الحياة و أسرارها. قرأت عشرات الروايات و تفاعلت معها؛ أذهلتني رواية البؤساء لفكتور هيجو، ثم تقلبت بين روايات نجيب محفوظ حتى مللت من حواديت الحارة المصرية و الثورة المصرية، مرورا بروايات عبد الرحمن منيف، التي أصابتني روايته " نهايات " بحزن عظيم فوق ما أنا فيه من حزن و أنا أرى الصحراء تحثو التراب في وجه عساف في نهايته المأساوية التي تشبه إلى حد كبير مأساوية نهاية عبدالرحمن منيف، ثم عشت مع الطيب صالح في روايته " موسم الهجرة إلى الشمال" و كدت أغرق مع مصطفي سعيد في نهر النيل قبل أن أدرك أن تلك الرواية أكذوبة مثل أكذوبة مصطفي سعيد نفسه، تجولت في أمريكا اللاتينية مع جابرييل ماركيز في " مائة عام من العزلة "، ثم توقفت عن قراءة الروايات، ثم اعتزلت.
لكن هذه الحياة التي نعيش وقع أحداثها العجيبة كل يوم، جعلتني أنتبه إلى أنها هي الرواية الحقيقية الجديرة بالقراءة، لماذا؟ لأن قراءة أحداث هذه الحياة و التعرف على شخصياتها وهي تتفاعل فيما بينها، وهي تتفاعل مع الحياة، يفتح بصيرة الإنسان إلى ذلك العالم الباطن و قوانينه و سننه الثابتة.
هناك وقع أحداث الحياة وهناك وقع أحداث الروايات، و ما بين الحياة و الرواية من اتصال و انفصال هو الذي قادني إلى هذه القراءة في عالم الرواية، حسب رؤيتي الخاصة كقارئ مجتهد، عاد بعد حين إلى حب الرواية و حب قراءة الرواية، ليكتشف سر الحياة، فكيف ستكون قراءتي في عالم الرواية؟
تقول معاجم اللغة أن الفعل قرأ يعني تلا، قرأ الشيء أي تلاه. و في ظني أن تلاوة الشيء هي أول مرحلة من مراحل القراءة، فتلاوة الشيء هي للتعرف على بناءه الظاهر وما يحيط به، ثم يعقبها مرحلة أخرى وهي الدخول من المبنى الظاهر إلى المعنى الباطن المرتبط بذلك البناء، هناك حيث جوهر المعني و حقيقته، هناك يكمن كنز الأسرار كلها. والعرب تقول: استقرأ الجمل الناقة: أي تاركها لينظر ألقحت أم لا، أي أن الجمل ينتظر أن يظهر الحمل في بطن الناقة على شكل علامات واضحة في شكلها وسلوكها، و أنا أريد أن استقرأ الرواية في هذه المقالات، و أنظر هل تم لقاحها أم لم يتم بعد. أذن، بالنسبة لي، فإن قراءتي هذه تبدأ من الظاهر في عالم الرواية الحديثة و ما يحيط به ثم تغوص إلى باطن هذا العالم حيث المعنى يفضي بنا إلى
¥