تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السر المخبوء في نشأة و حركة الرواية و إلى أين تتجه بالإنسان في تحولاتها الدائمة.

و ليس المقصود القراءة النقدية التقليدية من حيث شكل الرواية و طريقة السرد و مواضيع الرواية الأخرى، وإن احتجت بعض الأحيان لذلك، بل هي قراءة لما يجري في ظاهر و باطن عالم الرواية و ما سوف يكون عليه في المستقبل، ذلك العالم الكامن و المحيط بجماهير الرواية في آن واحد، تلك الجماهير المكونة من كتاب و نقاد وقراء الرواية. و هذه القراءة في عالم الرواية هي محاولة مني للدخول إلى نظرية تعين على تصور حقيقة و واقع عالم الرواية القادم، نظرية تضئ الطريق أمام تلك الجماهير لتكون الخطى أسرع في ظل تسارع نمو الرواية و سبق الأمم لنا في هذا المجال، و ذلك عكس ما يحدث عادة في عمليتي الإبداع و النقد الأدبيين. يقول الدكتور فيصل دراج في كتابه " نظرية الرواية و الرواية العربية ":

" فإذا كانت النظرية لا تكون نسقا، إلا إذا برهنت عن صحتها في مجالات مختلفة، فإن عليها، لزوما، أن تذهب إلى الرواية، كما تذهب إلى مجالات أخرى، مبرهنة عن قدرتها على معالجة الظواهر المختلفة. و لعل الانطلاق من فكرة النسق لا من خصوصية الجنس الروائي، هو ما يشد نظريات الرواية إلى الفلسفات الجمالية، أكثر مما يجذبها إلى حقل النقد الأدبي، وبهذا المعنى، فإن نظرية الرواية، وبصيغة الجمع، تقرأ الدلالة الفكرية، التاريخية، للرواية، قبل أن تقرأ العلاقات الداخلية التي تبني الممارسة الروائية ".

و أنا على يقين أنه لا يمكننا أن نسبق الآخرين بنفس تقنيات و رؤى الروائيين الآخرين، قد نكون وصلنا إلى شيء من العالمية، كما يعتقد البعض، بسبب المجهودات الجبارة التي قام بها عدد كبير من الروائيين في العالم العربي، لكن المجهود وحده لا يمكن أن يجعلنا نتسيد عالم الرواية و يتوج أحدنا منصب الروائي المنتظر، الذي قد طال انتظارنا لظهوره بيننا، بل نحتاج إلى العبقرية الروائية الفذة إلى جانب المجهود، فكيف نصل إلى هذه العبقرية إن لم يكن لنا نظريتنا الروائية الخاصة التي نسبق بها جميع الأمم، إن لم يكن لدينا تجربة خاصة و رؤية خاصة و تقنية خاصة لتحقيق المعجزة الروائية؟

و إذا كان النظر هو إعمال البصر في الشيء، و البصر هو رصد العالم الظاهر، فإن قصر الأمر على الأشياء الظاهرة هو السبب في أننا نحتاج إلى أن تسبق النظرية أعمال إبداعية ظاهرة ومعروفة لاستنباط النظرية، أما إذا أردنا أن نعكس الأمر، أي لتسبق النظرية العمل الإبداعي لأول مرة؛ فإننا نحتاج إلى البصيرة التي تقودنا إلى الديناميكيات الباطنية التي تحرك هذا الظاهر، و من ثم يمكن رصد حركة هذا الظاهر و مداه و تحولاته، تماما مثلما يحدث في عالم الفيزياء حيث يرتبط هذا الظاهر المنضبط في حركته بعالم باطني مفتوح على كل الاحتمالات، تسيره إرادة واحدة و تضبطه قوة قاهرة واحدة، هما إرادة و قوة الله عز وجل. أي أننا نحتاج إلى البصر و البصيرة معا للخروج بنظرية صادقة لتفاعل الظاهر و الباطن في آن واحد في عالم الرواية، و تقديمها للروائيين و هم يحثون الخطى على أرض الرواية. و سوف تكون استراتيجية العمل الروائي النقدي في ظني هي في الكشف عن هذه النظرية و مدى صدقها؛ فإن صدق الواقع ما جاء في النظرية؛ فتلك نظرية حقيقية و ستقودنا إلى الروائي المنتظر.

إذن، بما أن هذه القراءة هي محاولة لوضع معايير للرواية المنتظرة، أي أنها محاولة تسبق العمل الروائي على غير المألوف، حيث أن الدراسات و القراءات النقدية للرواية على مستوى العالم العربي أو الغربي جاءت لنقد النصوص الروائية والقصصية المكتوبة و المطروحة بين يدي القراء؛ فإن هذه القراءة ستسلك طريقا غير مألوف لاستكشاف المجهول.

و يجب أولا أن يكون لدينا تصورنا الخاص عن نظرية الأدب، و من هذه النظرية سيكون المدخل للحديث عن نظرية الرواية بصفتها أكبر الفنون الأدبية عمقا و اتساعا، و كظاهرة أدبية تحتوي نظرية الأدب و تشرحها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير