و كل ما أحتاجه الآن هو صبر و تأني القارئ عند قراءته للمقالات القادمة، لأن الطريق جديد و طويل و ملئ بالإشارات و العلامات و المنعطفات و التقاطعات و التحذيرات، و هو طريق لم يسبق لي أن سرت في هذا الطريق، إلا أنني قد عزمت السير فيه، و قد استعنت، على طوله ومشقته، بالله عز وجل و توكلت عليه.
أجل أيتها الرواية
فأي النظريات أنت ... أيتها الرواية؟!
[ line]
المقالة الثالثة
الروائي المنتظر و نظرية التغيير
كثر في الآونة الأخيرة القول أن أشكال الأعمال الأدبية جميعها تكاد تختزل في شكل أدبي واحد هو الرواية، و إذا كان ذلك صحيحا فهل يمكن أن تكون نظرية الرواية القادمة هي نظرية الأدب الجديدة؟! بصيغة أخرى هل يمكن لنظرية جديدة للأدب أن تقود إلى رواية جديدة؟
و قبل الحديث عن نظرية الأدب يجب أن نسأل هذا السؤال الخطير: ما هو الأدب؟
لن أذهب إلى كتب الأدب لأبحث عن تعريف لهذه الكلمة، ذلك أن تعريف الشيء يرتبط بمعرفة وظيفته، و أنا أجزم أن تعريف و وظيفة الأدب يجمعهما كلمة عظيمة واحدة، و هي كلمة: التغيير، و لكن تغيير ماذا؟
تغيير الواقع، و لكن واقع من؟
واقع الإنسان.
إذن، نظرية الأدب هي نظرية تغيير واقع الإنسان.
و الله عز و جل يقول: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
و أهمية أي كاتب أدبي، أو أي نص أدبي، تعتمد بالدرجة الأولي على حجم التغيير الذي يقوم به الكاتب الأدبي أو العمل الأدبي، بغض النظر عن اتجاه التغيير، الذي سأتحدث عنه لاحقا، بإذن الله.
لكن التغيير، من حيث هو عملية غامضة و معقدة و مركبة، يحتاج أيضا إلى نظرية تشرح لنا عملية التغيير. و هنا لا بد أن أستعين بالهندسة النفسية، للحديث عن مستويات التغيير يقول الدكتور محمد التكريتي في كتابه " آفاق بلا حدود، بحث في هندسة النفس الإنسانية":-
مستويات التغيير:
هناك عدد من مستويات التغيير (أو التأثير على) الإنسان، أو النظام، أو المؤسسة، أو المجتمع، تدعى المستويات المنطقية LOGICAL LEVELS ، وهي: -
1 - مستوى البيئة.
2 - مستوي السلوك.
3 - مستوى القدرة والمهارة.
4 - مستوى المعتقدات والقيم.
5 - مستوى الهوية.
6 - المستوى الروحي.
و هذه المستويات موازية لمستويات الإيمان و الاعتقاد، و كما ذكرنا سابقا، فإن أي تغيير يحصل في مستوى معين سيؤثر على ما فوقه من مستويات، ولا يؤثر على ما تحته. وقد اكتشف هذه المستويات العالم الأنثروبولوجي " غريغوري باتيسون"، عام 1972 م ".
و الحقيقة، أنه يمكن تطويع ما ذكره الدكتور محمد التكريتي في الوصول إلى نظرية التغيير أو نظرية الأدب إذا اعتبرنا أن هذه المستويات تشكل واقع الإنسان، مع اعتبار أن المستويين الأولين هما مستويان ظاهران و هما مستويا الواقع الظاهر، كبنية ظاهرية، إن جاز لنا التعبير، أما بقية المستويات الأربعة فهي مستويات الواقع الباطن، كبنية باطنية، لكن كلا البنيتان متصلتان، حقيقة، كبنية واحدة، أي أن هناك جزء من هذا الواقع نستطيع أن نراه، لكن أغلبه مدفون مثل جبل يظهر لنا منه أعلاه، أما ثقله وحجمه الحقيقي فهو مدفون تحت سطح الأرض، وهذا الواقع يعمل ضمن نطاق قوانين واحدة يمكن تسميتها " العقل" و هي المسؤولة عن عملية التغيير، أي أن مستويا الواقع الظاهر يرتبط بهما عقل ظاهر، كما أن بقية المستويات الأربعة وهي مستويات الواقع الباطن يرتبط بهم عقل باطن،، و كلا العقلين يعملان كعقل واحد، و هذه المستويات لها أبعاد أخطر و أعمق عند الحديث عن نظرية الأدب التي تقوم على عملية التغيير كوظيفة أساسية للأدب.
لكن فكرة المستويات التي ذكرها العالم الأنثروبولوجي " غريغوري باتيسون"، لم تنتبه إلى وجود مستوى آخر، وهو في اعتقادي أخطر مستوى في عملية التغيير، و ذلك هو مستوى القلب، وهو المستوى السابع، أعمق أعماق الإنسان، و أقصى مكان في واقع الإنسان و في عقله الباطن، وهو مكان عملية التغيير الشامل، مكان قلب جميع المستويات التي تسبقه، و لذلك سمي هذا المكان أو المستوى بالقلب، من عملية قلب الأشياء نحو عملية التغيير الشامل للواقع.
¥