تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" و الآن ما هي فلسفة الانعكاس الواقعية، إن كل تصور للعالم الخارجي ليس إلا انعكاسا في الوعي الإنساني لهذا العالم الذي يوجد مستقلا عنه، هذه الحقيقة الأساسية في العلاقة بين الوعي و الكائن تنطبق بطبيعة الأمر على الانعكاس الفني للواقع. و يرى " لوكاتش" نتيجة لذلك أن نظرية الانعكاس تمثل المبدأ المشترك لكل صيغ السيطرة النظرية و العلمية على الواقع من خلال الوعي الإنساني، وهي بالتالي أساس الانعكاس الفني للواقع، ويصبح هدف البحوث التفصيلية بعد ذلك تحديد الخواص النوعية للانعكاس الفني داخل نظرية الانعكاس العامة، كما يلاحظ أن الأصل الدقيق المتعمق لنظرية الانعكاس لا يتوفر بجميع أبعاده إلا من خلال المادة الجدلية، أما بالنسبة للضمير البرجوازي فلا يتصور منه إدراك دقيق لنظرية الموضوعية التي تقضي بانعكاس الواقع في الوعي مع استقلاله عنه، على أنه يحدث أحيانا من الوجهة العملية أن كثيرا من الفنون و العلوم البرجوازية تعكس الواقع بدقة أو تتقدم خطوات طيبة في نطاق العرض الصائب للقضية و التصوير الدقيق لها، بيد أنه بالرغم من ذلك لا يوشك الموضوع أن يرقى إلى المستوى الخاص بالمعرفة النظرية حتى نجد المفكرين قد اصطدموا بالمادية الآلية أو غرقوا في المثالية الفلسفية، وقد نقد " لينين" بوضوح تام خصائص هذا الحاجز الذي يصطدم به التفكير البرجوازي في كلا الاتجاهين، فهو يقول بمناسبة المادية الآلية أن عيبها الرئيسي في عجزها عن التطبيق الجدلي لنظرية الصور على مسار المعرفة و تطورها، ثم يصف المثالية الفلسفية بأنها من وجهة نظر المادية الجدلية تغرق في التضخم الجزئي المبالغ فيه لبعض المعالم الصغيرة أو الجوانب المحدودة فتقع بذلك في التصلب و الشخصية و عدم التوازن، هذا القصور المزدوج في نظرية المعرفة البرجوازية طبقا لتحليل " لوكاتش" يعلن عن نفسه في كل المجالات، ويتضح بالنسبة لجميع صور الانعكاس في الوعي الإنساني ".

أقول بعد أوردت هذا النص، و أنا بكامل وعي، أن وعي الإنسان عاجز تماما أن يصل إلى معرفة الواقع و قوانينه من خلال المادية الجدلية أو من خلال الضمير البرجوازي، أو المادية الآلية أو المثالية الفلسفية أو الواقعية النقدية أو الاشتراكية، أو الحداثة أو ما بعد الحداثة أو أي مذهب أو منهج إنساني آخر؛ لأن الواقع من الناحية العلمية و العملية في حقيقته غير مدرك إدراكا تاما كاملا من قبل أي مخلوق في هذا الكون رغم أن الواقع في حقيقته " نص" بكل ما في كلمة نص من معنى، و لكنه نص صعب القراءة؛ ذلك أننا إذا أردنا أن نقرأ الواقع كما نقرأ أي نص آخر، تلك القراءة التي تقودنا إلى جوهر المعني في باطن هذا الواقع، فإن هذه القراءة ستواجه ضعف الإنسان و جهله و عجزه و استعجاله في مقابل تعقيد نص الواقع و تعدد مستوياته؛ ذلك لأن الواقع حين وقوعه يكون مفاجئا و غامضا و مدهشا و مروعا و معقدا في آن واحد، و هو ما يجعل الإنسان يرتبك في قراءة هذا النص؛ و ينتج مناهج فكرية هشة و مفككة ومرتبكة و متقلبة و ناقصة. لذا فإنه لا يمكن قراءة " نص" الواقع و معرفة معناه إلا من خارج هذا الواقع، و ذلك عن طريق نص آخر يحيط بجميع مستويات الواقع السبعة ويدرك قوانينها و سنن التغيير فيها، نص موثوق و مكتوب بحروف الكتابة؛ ليمكن الدخول إليه و قراءته و محاورته عن طريق قوانين و أساليب القراءة المعروفة لدى الإنسان، تلك القراءة التي تدرس المبنى و تتجاوزه إلى فهم المعنى، بل تتجاوزه إلى استخراج جوهر المعنى من باطن " نص " الواقع.

فما هو، يا ترى، ذلك النص المكتوب الصادق الثابت الذي يغير و لا يتغير، الذي يفضي إلى نص الواقع و يحيل إليه بكل مستوياته السبعة؟!

[ line]

المقالة الخامسة

ما هو النص؟

قبل الحديث عن ذلك النص المكتوب الذي يحيط بجميع مستويات الواقع السبعة ويدرك قوانينها و سنن التغيير فيها، الذي يمكن قراءته و الدخول منه و إليه لقراءة " نص" الواقع نحو معرفة الواقع؛ عن طريق قوانين الكتابة و القراءة المعروفة للإنسان يجب أن نسأل السؤال التالي، هل يمكن اعتبار الواقع " نصا"، رغم أن الكثيرين يرون أن النص هو " الكتابة" فقط؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير