تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه القصة، وسأسميها " جائزة القراءة" تحتوى مشاهد من الواقع متعددة، و لكنى سأعيد ترتيبها كما يلي: رجل الأعمال " القارئ الأخير" ينوى تشجيع القراءة، هذه النية حدثت في زمن ماضي، قد تكون قبل عشرين عاما مثلا من المشهد الأخير في القصة، و النية محلها القلب، و القلب هو المستوى السابع من مستويات الواقع، وهو مستوى باطن، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله. بعد هذه النية، اتخذ " القارئ الأخير" القرار في مرحلة لاحقة ثم شكل لجنة من المحكمين، ثم الإعلان عن هذه المسابقة، ثم استقبال المتسابقين و تقييم إجاباتهم، ثم العثور على قارئ فائز يصعد إلى منصة التكريم و يستلم الجائزة، ثم تتكرر هذه الأحداث إلى أن تصل إلى القارئ المطلوب.

مشهد صعود القارئ الفائز على منصة التكريم و استلام الجائزة، يتكون من حدثين؛ صعود المنصة و استلام الجائزة، و يدرك المشاهد (الحاضر) منه أن من يعتلى منصة التكريم ويستلم الجائزة قد عرف إجابة السؤال/ اللعبة. هذا المشهد يمكن أن نفهم منه "معنى" واحد محدد ظاهر تراه العين، و يفهم منه فوز مستلم الجائزة. هذا المشهد الظاهر هو ظاهر " نص" الواقع، و له بنية ظاهرة تبدأ من لحظة وقوع الحدث الظاهر و إدراكه من قبل حواس الإدراك لدى الإنسان، هذه اللحظة أسميها اللحظة الواقعة الفاصلة؛ لأنها تفصل بين بنيتي الواقع الظاهرة و الباطنة. لكن القصة كاملة تحتوى على مشاهد أخرى تصنع و تبرز مشهد استلام الجائزة، و لا يدركها أو يراها من يشاهد لحظة التكريم في الواقع، لحظة بدء البنية الظاهرة، لأنها مشاهد سابقة للحدث الواقع الحاضر المشاهد، الذي يمثل بدء البنية الظاهرة بالنسبة للمشاهد (أو قارئ النص المكتوب)، وهذه المشاهد قد تصل في الزمن الماضي إلى أول لحظة نوى فيها رجل الأعمال في قلبه تشجيع القراءة. أي أن هذه المشاهد التي هي دون أو تحت البنية الظاهرة (بكل ما فيها من علاقات و أسباب) هي مشاهد باطنة لا تراها العين الحاضرة المشاهدة، بل هي تبعد وتختفي و تتلاشى عن الذهن الحاضر، شيئا فشيئا، مكانا و زمانا حتى تصل إلى " قلب" راعى الجائزة في زمن قد يمتد إلى عشرين سنة سابقة و مكان لا يعلمه إلا الله، لحظة أن قرر رجل الأعمال تشجيع القراءة، و ذلك هو أعمق أعماق الباطن. لكن هذا الجزء من النص (البنية الباطنة)، حقيقة، هو من يصنع معنى النص من الجذور و يصعد به إلى " منصة" معنى النص. و إذا كان الشرط الأساسي ليكون أي شئ " نصا" هو أن يحتوى على معنى ظاهر؛ فإن هذه القصة تخبرنا أن الواقع بمشاهده من حولنا هو نص بكل معنى الكلمة، يمكن أن يعيشه الإنسان ويستفيد منه؛ كما استفاد موظف الأمن (القارئ العبقري)، لأنه عندما رأي بنية النص الظاهرة تكرر أمامه؛ قرأها و عرف منها المغزى، ثم كانت المسابقات السابقة كافية لتدريبه وهى تقرأ أمامه ليدرك معنى واقع عالم القصة أو الرواية حين تتلى عليه و يستخلص منها المعنى في كلمة واحدة، لأنه يملك تجربة واسعة وعميقة تدرك معنى واقع الحياة أصلا، حتى لو كان هذا القارئ أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة.

هذه القصة هي مقدمة للحديث عن بنية الواقع؛ نحو فهم شامل. و إذا كانت الدراسات الأدبية الحديثة تعانى من أزمة حقيقة وهي تتطلع إلى أن تجمع جميع الأجناس الأدبية (شعر، قصة، ... ) في نص مفتوح شامل؛ فكيف ستكون أزمتها الآن، بعد أن صار النص أوسع بكثير مما يعرفون. أي أننا إذا أردنا أن نصل إلى نظرية أدبية شاملة؛ و تنتج لنا نصا أدبيا مفتوحا و شاملا فإننا نحتاج إلى أن يقودنا نص مفتوح شامل، يرى الطريق الصحيح و يدرك واقع الإنسان بكل ما فيه من أشياء و تفاصيل و بكل سعته الزمانية و المكانية.

و هذا، لعمري، أمر عجيب!

[ line]

المقالة السادسة

المفهوم الشامل للأدب

لماذا نقرأ؟

كان من الواجب أن أبدأ هذه المقالات بهذا السؤال الخطير، فقد سألني بعض الزملاء: ما دخل الأدب بنظرية تغيير واقع الإنسان؟

و سألتهم، بدوري: لماذا يقرأ الناس القصص والروايات، مثلا؟

أجابوني: للمتعة ... للتسلية ... للاستفادة من تجارب الآخرين ... لا أقل و لا أكثر.

قلت لهم: هل يستطيع الإنسان أن يقرأ شيئا ليس له "معنى"؟

قالوا: أي شيء ليس له معنى فليس له قيمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير