تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذن قيمة الشيء في معناه، و الأدب إن لم يكن له معنى فليس له قيمة، فما هو معنى " الأدب"؟

ورد في كتاب " دليل الناقد الأدبي" لكل من (د. ميجان الرويلي و د. سعد البازعي) تحت عنوان (البنيوية و النقد البنيوي):

" ترى البنيوية أن " الأدب " هو صيغة متفرعة عن صيغة أكبر، أو هو بنية ضمن بنية أشمل هي اللغة (أي الكتابة كمؤسسة اجتماعية)، تحكمه قوانين و شيفرات و أعراف محددة تماما كما هي اللغة كنظام. ويصبح " الأدب" من هذا المنظور نوعا من الممارسة الفعلية مقارنة مع الكتابة عموما، و بدوره يصبح هو بالنسبة لأنواعه نظاما لغويا و تتحول أنواعه بدورها إلى ممارسات فعلية يهيئ لها الأدب قوانين و أنظمة تجعل هذه الأنواع تأخذ صفاتها النوعية و الأدبية. ودراسة الأدب تسعى إلى كشف الكيفية التي تعمل بها عناصره حتى تخلق تأثيرات أدبية تبدو و كأنها تأثيرات واقعية طبيعية في حين أنها لا تعدو مجرد التوهم بالواقعية كنتيجة لتبني " حيل" و أعراف مألوفة ... فالبنيوية تسعى إذن إلى تأسيس مثال أو أنموذج " نظام" الأدب نفسه على أنه هو المرجع الخارجي للأعمال الفردية. وما محاولتها دراسة و تحديد مبدأ البنية التي تنتظم الأعمال الأدبية عموما (و ليس العمل الفردي) و العلاقات القائمة بين مختلف فروع الحقل الأدبي، ما هذه المحاولة إلا محاولة تأسيس منهجية علمية لدراسة الأدب ".

و أنا أظن، أن الأدب أعم و أشمل مما تظنه البنيوية، رغم أن البنيوية تجاوزت المفهوم التقليدي لكلمة الأدب بكثير، إلا أنها لم تدرك جوهر المعنى لكلمة " الأدب". و إذا كانت كلمة " النص" تتجاوز بكثير ما يظنه "رولان بارت" إلى أن تصبح كل ما له معنى ظاهر يدركه الإنسان، وهو تعريف يشمل كل شيء في واقع الإنسان بما فيه الإنسان نفسه؛ فإن كلمة " الأدب" لكي تحتوي هذا المفهوم الجديد الشامل " للنص" يجب أن تثور و تنسف المفهوم التقليدي، بما في ذلك المفهوم البنيوي، لكلمة " الأدب"، و الذي تراكم فوق حقيقتها عبر مئات السنين؛ لتنطلق إلى جوهر معناها الحقيقي الشامل الذي يحتوي كل ما في كلمة " أدب" من حيوية و عنفوان التغيير، و لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

في المشهد التقليدي للأدب، حين يتلو الشاعر قصيدته، يعمد إلى أن يصل إلى " معنى" ظاهر واحد معين محدد مؤثر، يكون هو القاسم المشترك بين الشاعر و المستمع؛ لكي يؤثر في مستمع القصيدة و يحدث " تغييرا " في موقف المستمع من الشاعر، هذا باختصار شديد ما يريده الشاعر (أو المؤلف) من النص، وهو إحداث التغيير المطلوب عن طريق التأثير بقوة المعنى المشترك بين الطرفين (الشاعر و المستمع، الكاتب و القارئ).

إذن، هذه القصيدة هي " نص أدبي " بقدر ما تظهر من معنى، و بقدر ما تحدث من تغيير.

كذلك القصة، هي " نص أدبي " بقدر ما تظهر من معنى، و بقدر ما تحدث من تغيير.

كذلك النار، و أعوذ بالله من النار، هي " نص أدبي" بقدر ما تظهر من معنى، و بقدر ما تحدث من تغيير، و هي قد أحدثت، و تحدث في واقع الإنسان، أكبر تغيير عرفه التاريخ. كذلك الأنهار، والأشجار، والجبال، و الحيوانات، والطيور، ... إلى كل ما في هذا الكون من أشياء، هي " نص أدبي" بقدر ما تظهر من معنى، و بقدر ما تحدث من تغيير.

و من هذا المفهوم الشامل للأدب فإن الأدب ليس (صيغة متفرعة عن صيغة أكبر، أو هو بنية ضمن بنية أشمل هي اللغة ... ) بل إن الأدب، في جوهر معناه الشامل هو عملية تغيير واسعة و شاملة “ Process of change “ ، لها إجراءاتها و موادها و وسائطها، وهي تطال الإنسان في أعمق أعماقه، و تشمل موادها كل شيء في هذا الوجود، وما الشعر أو القصة أو السياسة أو الاقتصاد، .... أو المجرات السابحة في باطن الكون، أو قبلة حانية على جبين طفل يتيم، إلا مادة أدبية نصية يستخدمها الأدب ليحدث التغيير في واقع الإنسان. لكن كل ذلك يحدث عبر وسائط متعددة تنقل المعاني، يغفل الإنسان عن إدراك جلها، وما اللغة، حقيقة، إلا أحد هذه الوسائط التي يستخدمها الأدب لنقل " المعاني" في بنية النص إلى الإنسان ليحدث التغيير المطلوب، حتى و إن كانت اللغة الشريان الوسيط الرئيس في كثير من أعمال الإنسان " الأدبية". و بذلك فإن واقع الإنسان بكل ما فيه هو البنية النصية التي يستخدمها الأدب، و اللغة هي نظام وسيط يحفظ المعنى داخل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير