هذه البنية، وهي نظام يكشف أيضا عن المعنى و يسلمه إلى القارئ الجاد الذي يملك مفاتيح نظام اللغة وأسراره، وبذلك تصبح عملية " التغيير" عملية حركية فيزيائية مستمرة، ويصبح الأدب بمفهومه الجديد الشامل طريقنا للوصول إلى المعنى الشامل للواقع في بنية الواقع الشاملة.
ففي القصة السابقة قصة " جائزة القراءة"، حين وضع رجل الأعمال (القارئ الأخير) جائزة للقراءة؛ يفوز فيها، بجائزة نقدية، من يستطيع أن يقرأ رواية ما و يلخص معناها في كلمة واحدة، بشرط أن تكون هذه الكلمة هي المعنى الواحد الحقيقي لتلك الرواية؛ حسب رؤية نقاد ذوي خبرة عالية في قراءة الروايات؛ نرى أن إدراك المعنى الحقيقي الواحد يجعل القارئ يفوز بالجائزة، و هذه الجائزة تقوم بدورها بتغيير واقع القارئ ماديا و معنويا، هذا المعنى قد تتكرر أمام عيني موظف الأمن و جعله يدرك المطلوب، ويفوز بالجائزة لأنه قارئ عبقري للواقع، رغم أنه قارئ أمي لا يعرف كتابة ولا قراءة أية " نص مكتوب بحروف الهجاء".
هذا المفهوم الجديد الشامل " للأدب" يمكن استخدامه بشكل مباشر وبسيط و سريع لتقييم أعمال كثيرة، فمثلا الشاعر " أبو الطيب المتنبي"، (الشاعر العظيم كما يظنه البعض)، لم يستطع بشعره، على مدى ثمان سنوات، أن يصل إلى المعنى المطلوب الذي يستطيع به أن "يغير" من حال و موقف " سيف الدولة" منه (إذا اعتبرنا أن سيف الدولة هو " القارئ" الذي يستهدفه المتنبي بشعره)؛ فيجعله يعطيه الجائزة و هي (الإمارة) التي عاش المتنبي وهو يحلم بها طوال عمره، لأن " المعنى" في قلب سيف الدولة يستقر في أعماق لم يصل إليها المتنبي بتجربته و شعره، ففشل الشعر و الشاعر في إحداث التغيير المطلوب، لأن "المتنبي" لم يمتلك من "عبقرية القراءة" الحد الكافي و المطلوب ليصيد المعنى الذي بدوره سيغير من حال سيف الدولة مع المتنبي و من حال المتنبي و حال الواقع من حوله، و حال مصيره المأساوي الذي انتهى إليه.
فهل يمكننا أن نقرأ بنية " الواقع" بكل اتساعها الزمانية والمكانية، و نستخلص منها أدوات نقيس و نفحص بها بنية " النص الروائي " نحو الوصول إلى جوهر المعني الذي هو الوقود الحقيقي لعملية التغيير، تغيير واقع الإنسان، وتغيير واقع عالم الرواية نحو عالم روائي شامل و مفتوح.
هذه القراءة في ظني، والله أعلم، سوف تفتح باب " قبر" النقد الأدبي على مصراعيه، لينطلق " النقد الأدبي" بإذن الله، وقد امتلأ بحيوية و عنفوان الحياة؛ ليدرس" النص" في واقع الإنسان كله، بعد أن ظن البعض، من جهلهم، أن " النقد الأدبي" قد مات، فقاموا و صلوا عليه.
فسبحان الحي الذي لا يموت، وهو بكل شيء عليم.
[ line]
المقالة السابعة
المعني في بنية النص الروائي
المعنى، وما أدراك ما لمعنى؟!
ما علاقة المعنى بدراسة بنية النص الروائي؟ و ما علاقة ذلك بقراءة الرواية الحديثة القادمة؟
في القصة السابقة، قصة " جائزة القراءة "، كان رجل الأعمال (القارئ الأخير) يبحث عن قارئ خاص، يقرأ رواية ما و يلخص معناها في كلمة واحدة، و في ظني أن مثل هذه القراءة، إن وجدت، تعتبر أرقى درجات القراءة، و إذا كان الأدب هو تغيير واقع الإنسان، فإن قراءة الروايات لا تكون أدبا إلا إذا كانت تنتج معنى ظاهرا محددا و مؤثرا؛ يقوم بدوره بتغيير واقع الإنسان القارئ. فهل يمكن، مثلا، قراءة رواية صدام حسين الأخيرة، بعنوان " أخرج منها يا ملعون"، و استخراج معنى واحد مؤثر يقوم بتغيير واقع قارئ هذه الرواية، و يقلب رؤيته للواقع رأسا على عقب؟
الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في معرفة كيف يتكون المعنى في بنية النص الروائي من أول حدث إلى آخر حدث. هذا المعنى الواحد المحدد المؤثر، في نص روائي طويل، يتشكل و يدور دورة روائية كاملة في بنية النص الروائي، كما تتشكل و تدور قطرة ماء صغيرة دورة بيئية مائية كاملة؛ حين تثور هذه القطرة الصغيرة في وسط البحر (أو المحيط)، ثم حين تتلبس الهواء بعد أن تخلع عنها " بنية " السوائل فتصير بخارا يطير إلى سقف السماء؛ ثم حين يؤلف الله، عز وجل، بينها و بين قطرات أخريات قد طرن خلفها؛ لتصير سحابة فتية صغيرة، تنمو و تكبر؛ فتصير سحابة حبلى بماء الحياة و هي تركض أمام الريح؛ ثم حين تتمرد على سطوة البرد و الجمود؛ فتنهمر (ماءا) فوق وجه الأرض كجلمود
¥