تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

صخر، ثم حين تتلوى و تسيل في جداول صغيرة، يتبع بعضها بعضا في وجه الأرض؛ ثم حين تتدفق هذه الجداول في جسد النهر قبل أن يقذف نفسه في ماء البحر (أو المحيط) مرة أخرى.

حين يحدث كل ذلك؛ تكون قطرة الماء قد انتقلت في بنية هذه الدورة المائية في سبعة أطوار، الطور الأول: حالة القطرة السائلة، الطور الثاني: الحالة الغازية، الطور الثالث: السحاب، الطور الرابع: المطر، الطور الخامس: الجداول، الطور السادس: النهر، الطور السابع: البحر (أو المحيط)، ثم تبدأ دورة أخرى، كل طور من هذه الأطوار له شكل عام و له حقيقة عامة، و لكن الحقيقة الكيميائية لقطرة الماء الصغيرة في كل طور هي أنها ماء؛ في المحيط هي ماء، في الهواء هي ماء، في السحاب، في المطر، في الجدول، في النهر، في المحيط، مرة أخرى هي ماء، تتحرك هذه القطرة في البنية المدركة، ولكن تبقى قطرة الماء ماء.

و كذلك " جوهر" المعنى الواحد في حركته في بنية النص الروائي، يتقلب في الأطوار (المستويات) السبعة لبنية النص الروائي، حين يظهر المعنى في بيئة الحدث الروائي أولا، ثم يتحول في السلوك و العادات ثانيا، ثم يتنقل إلى بنية النص الروائي الباطنة، في طور القدرات، ثم في طور المعتقدات، ثم طور الانتماء، ثم طور الروح و أخيرا طور القلب، و ذلك حين تنقلب أحداث الرواية وتأخذ مسارا آخر يغير في جميع الأطوار (المستويات) و ينتج واقعا جديدا، و لكن " جوهر" المعنى الواحد في هذه الرواية (في حقيقته الروائية) يبقى كما هو؛ كما تبقى حقيقة قطرة الماء كما هي في حقيقتها الكيميائية. و هذه الرحلة لجوهر المعنى هي رحلة دائمة و متصلة و متواصلة بين الإنسان و الواقع (معايشة)، بين الإنسان و الإنسان (مشافهة)، بين الإنسان و النص (كتابة و قراءة)، و في كل الاتجاهات الرأسية و الأفقية في بنية النص.

و لكن، كما هو معروف، فإن النص الروائي، مثله مثل واقع الحياة، لا يتكون من معنى واحد فقط، بل هو يتكون من شظايا صغيرة لآلاف المعاني المتداخلة و المتراكبة و المتفاعلة و المتصارعة، في آن واحد، و لكنها في نهاية المطاف تتجمع في معنى واحد، عند حدث واحد، في لحظة واحدة، تكون هي مركز أو محور أحداث الرواية، و هي اللحظة الواقعة الفاصلة بين ظاهر النص و باطنه. وهذا يقودنا إلى إشكالية ما هو المعنى المقصود من الرواية؟ هل هو هذه الشظايا الصغيرة؟ أم هو هذا المعنى الواحد المتراكم منذ أول حدث في النص الروائي؟ و إذا كان هو المعنى الواحد، فهل هو المعنى الذي يصنعه ويريده ويدركه المؤلف؟ أم هو المعنى الذي يصنعه و يريده ويدركه القارئ؟ أم هو المعنى الذي يظهره النص (حسب قانون الكتابة) عنوة فوق إرادة المؤلف و القارئ معا؟!

ورد في كتاب دليل الناقد الأدبي لكل من (د. ميجان الرويلي، د. سعد البازعي) ما يلي:

" انعكست مفاهيم البنيوية على كثير مما ساد قبلها و أثرت فيه تأثيرا كبيرا. فالأدب لم يعد إبداعا عبقريا يعتمد على قدرة المؤلف الخارقة، بل أصبح صيغة كتابية مؤسساتية تحكمها قوانين وشيفرات تميط اللثام عن هذا "اللغز " القار من أفلاطون إلى عصرنا هذا. كما أثرت البنيوية على مفاهيم وظيفة الأدب و طبيعته، فلا هو يحيل إلى العالم الخارجي الطبيعي، كما ترى نظرية المحاكاة، ولا هو عبقرية تعتمد على مؤلفها و صاحبها بصلة بل إنها تصنعه و تتحكم فيه. أما القارئ فما هو إلا بنية أو إنتاج ثقافي مدرب على حل الشيفرات و تتبعها و رصدها (هو شخص حرفي له أدواته و معداته، كما يقول دريدا عن ليفي ستراوس). و هكذا يتنازل المؤلف عن وظيفته للكتابة، و تمتص الكتابة وظيفة القارئ الذي يتنازل للقراءة عن دوره الفاعل. من هنا لا بد أن تغيب مفاهيم الذاتية و الوعي لدى المؤلف و لدى القارئ، و تتم عملية إزاحة الإبداع و التفرد و العبقرية و التميز، وهي المفاهيم التي حكمت أدبية الأدب عصورا طويلة".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير