تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَر " (البخاري، كتاب تفسير القرآن باب {لقد جاءكم رسول من أنفسكم})

ومن خلال هذا الخبر وغيره نستنتج صحة دعوى عدم جمع القرآن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وهاكم الأدلة:

أولا- لو كان هذا الكلام صحيحا لكان القرآن مجموعا بالفعل ولما استنكر كل من أبى بكر وزيد فكرة الجمع حين عرضت عليهما للوهلة الأولى قبل المراجعة والإقناع حيث قال أبو بكر لعمر:" كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ r ؟ " وقال زيد لأبي بكر وعمر: " كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ r ؟ "

وفي توجيه ذلك يقول القاضي أبو بكر في نكت الانتصار: وجهُ ذلك – أي وجه هذا الاعتراض- أنَّهما لم يَجدا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بلغ في جمعه إلى هذا المقدار، بل كان في الأكتاف والعُسُب، ... ، إلى أن تُوُفِّي صلى الله عليه وسلم والحال على ذلك، فكَرِهَا أن يَجمعاه على وجهٍ يُخالف ذلك؛ كراهةَ أن يُحِلاَّ أنفسهما مَحلَّ مَنْ تَجَاوَزَ احتياطُه للقرآن احتياطَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا نبهَّه عمرُ وخوَّفه من تغيُّر القرآن، وأنَّ فِعْلَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم ليس على وجه الوجوب، ولا تركُهُ لِما تَرَكَ منه على وجه الوجوب، رَأَيَا صوابَ ذلك الرأي فَسَارَعَا إليه. أ.هـ

قلت – أنا العبد الفقير -:

هذا الكلام يبدو عليه التكلف ويتجاهل إلى حد كبير ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من حصافة وقدرة على الاجتهاد وبعد النظر فلا يليق أن يعترض كل من أبي بكر وزيد على فكرة الجمع لا لسبب إلا لأن المكتوب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في العسب واللخاف والمطلوب منهما أن يجمعاه في صحف متساوية فماذا في ذلك من مخالفة والذي يراجع تاريخ الصحابة يجد أنهم قد اجتهدوا في مسائل عديدة حتى في حياة النبي صلى الله علي وسلم في جرأة ووعي يحسب لهم فعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب: " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " (أخرجه البخاري) فهم كثير من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم قد قصد بذلك حثهم على الإسراع إلى النيل من بني قريظة وليس معناه أنه لو أدركتهم صلاة العصر وهم في طريقهم إلى بني قريظة فعليهم أن يؤخروا الصلاة عن وقتها حتى يصلوا إلى بني قريظة فيصلوها هنالك وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بصنيعهم هذا فلم يعنفهم.

وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد الصحابة في مسائل عديدة وليس أجرأ من أن يلغي عمر رضي الله عنه سهم المؤلفة قلوبهم من مستحقي الزكاة مع ورود ذلك في القرآن، وأن يعطل حد السرقة في عام الرمادة وأن يقوم أبو بكر بمقاتلة مانعي الزكاة مع تذكير عمر إياه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " لكن أبا بكر يصر على مقاتلتهم ويقول: " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه." (أخرجه مسلم)

· وفي رأيي أن مرجع اعتراض كل من أبي بكر وزيد على فكرة الجمع نفسه هو لأن الفكرة في الأصل لم تكن مسبوقة وليس بسبب اختلاف شكل الجمع وهيئته

ثانيا – قول زيد: " فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. " ولما أعلن زيد عن ثقل هذه المهمة التي أوكلت إليه لكن كل ذلك قد حدث فهو إذن قرينة على أن المكتوب ما كان يوضع في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على الأقل لم يوضع كله بل كان مفرقا عند الصحابة الكتبة سواء منهم من كانوا يكتبون لخاصة أنفسهم أو من كانوا يكتبون بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير