تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلا أننى قد لاحظت أن ترقيم هذه السُّوَر غير متسلسل دائما حتى إن أول سورة، وهى " سورة المحبة "، قد أخذت الرقم (2)، كما أن ترقيم السورة الأخيرة، واسمها " سورة البهتان "، هو (59)، ومعنى ذلك أن هناك فجوة فى بعض الأحيان بين السورة والتى تليها، فهل ينبغى أن نفهم من هذا أن هناك سُوَرًا ناقصة؟ لكن لماذا؟ وما هى هذه السُّوَر؟ وأين ذهبت؟ لا أدرى.

كذلك يلاحظ أن أسماء طائفة من سور " الضلال المبين " قد أُخِذَتْ من أسماء سور القرآن الكريم، مثل " النور والنساء والمنافقين والطلاق ". أى أن من افْترَوْا هذا " الضلال المبين " لم يَسْطُوا فقط على نصوص آيات القرآن ليصنعوا منها هذا الترقيع الرقيع بل سَطَوْا على أسماء بعض سوره الكريمة، وإن كانوا قد نقلوها من محلها الطاهر الشريف إلى ذلك الكنيف!

أما الأسماء الأخرى التى لم يأخذوها من أسماء سور القرآن الكريم فمنها " الأساطير والغرانيق والجنة والمحرّضين والكبائر والرُّعاة والشهادة والإنجيل "، وإن كانت كلها رغم ذلك فى الهجوم على القرآن: ففى " سورة الأساطير " مثلا يزعمون أن القرآن ما هو إلا أساطير الأولين كما كان وثنيو العرب يقولون قبل أن يكذّبوا أنفسهم بأنفسهم ويؤمنوا به، وفى " سورة الغرانيق " يدّعون أنه كان فى القرآن آيتان تمجدان الغرانيق، أى اللات والعُزَّى ومَنَاة، ثم حُذِفتا فيما بعد.

أما "سورة الرعاة " فهى هجاء للصحابة والعرب الأوائل الذين حملوا الإسلام إلى العالمين، والذين يحاول أولئك اللصوص السُّطَاة أن ينالوا منهم بالقول بأنهم لم يكونوا متحضرين ولا أغنياء بل كانوا مجرد رعاة، وكأن التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول المسيح كانوا من أصحاب القصور ومن خريجى الجامعات، ولم يكونوا من صيادى السمك والعُرْج والبُرْص والعُمْى والمخلَّعين والممسوسين والعشّارين والخطاة على حسب ما جاء فى الأناجيل نفسها! إننا بطبيعة الحال لا نبغى أن ننال من الفقراء والمساكين والمسحوقين، فنحن لسنا من أغنياء القوم ولا من السادة، لكننا أردنا فقط أن ننبه هؤلاء المأفونين إلى مدى السخف والسفالة التى ينساقون إليها فى العدوان على ديننا ورسولنا وصحابته الكرام. وبالمناسبة فلم يكن الصحابة جميعا من الرعاة، بل كان فيهم التجار والزراع والصناع والعلماء والقادة العسكريون، وكان منهم الأفراد العاديون والرؤساء، وكان منهم العرب وغير العرب، كما كان فيهم كثير ممن كانوا هودا أو نصارى ثم أسلموا ... وهكذا يستمر هؤلاء الأفاكون المجرمون إلى آخر السُّوَر الشيطانية المفتراة كذبًا على الله.

وأول ما ينبغى التصدى له فى هذا الوحى الإبليسىّ هو المشاكل الغبية غباء مزيِّفيه التى لا يمكن العثور على مخرج من أىٍّ منها، بل كلما حاول مخترعوه التخلص من بعض ما جرَّتْهم إليه وجدوا أنفسهم يزدادون تورطا، شأن البقرة الغبية التى تحاول الانعتاق من الحبل الملتف حول رقبتها، لكنها بدلا من ذلك تدور فى الاتجاه المعاكس فتجده قد ازداد التفافا حتى خنقها وأودى بحياتها.

فكيف كان ذلك؟

المعروف أولا أن النصارى لا يؤمنون بنبىٍّ بعد المسيح لأنهم يَرَوْن أنه قد أنهى فصول المأساة البشرية بموته على الصليب وتكفيره من ثَمَّ عن الخطيئة البشرية الأولى، وأنه لم يعد هناك مجال لأى شىء إلا لمجيئه فى آخر الزمان، هذا المجىء الذى سيكون بداية لألفيَّةٍ سعيدةٍ يعيش فيها الناس فى هناءة وسلام، فلا خصومات ولا عداوات حتى ولا بين الحيوانات العجماوات، حتى إن الذئب والحمل، كما يقال، سوف تقوم بينهما صداقة ومودة فيلعبان معا ويأكلان معا فى غاية الانسجام والتفاهم! أما اليهود فهم أصلا فى انتظار المسيح الأول لا يزالون لأنهم لا يؤمنون بأن عيسى بن مريم هو المسيح الذى أتى ذكره فى كتبهم. وهذا الكتاب الذى نحن بصدده ليس هو الكتاب الذى ينتظره اليهود مع مسيحهم المنتظر، فهم يريدون مسيحا من بيت داود يعيد إليهم مجدهم ويبنى لهم مملكتهم، أما كتاب " الضلال المبين " فلا يؤدى إلى هذه الغاية على الإطلاق ولا نعرف له صاحبا، فهو كطفل السِّفَاح الذى لا تجرؤ أمه العاهرة أن تُقِرّ به وتنسبه إلى نفسها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير