تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن المسيح فى نفس العبارة التى يؤكد فيها أنه ما جاء لينقض الناموس (أى شريعة موسى) بل ليتمّمه يسارع فى التو واللحظة بنقض كل ما أكده فى هذا الصدد قائلا إنه إذا كان قد قيل للقدماء كذا فإنه هو يغيّره إلى كذا. وكان من بين ما غَيَّرَ حُكْمَه القَسَمُ، وهذا نَصّ ما قاله فى هذا الصدد: " قد سمعتم أيضا أنه قيل للأولين: لا تحنث بل أَوْفِ للرب بأقسامك، أما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا البتة: لا بالسماء لأنها عرش الله، ولا بالأرض فإنها موطئ قدميه، ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك الأعظم، ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة منه بيضاء أو سوداء. ولكن ليكن كلامكم: " نَعَمْ نَعَمْ، ولا لا "، وما زاد على ذلك فهو من الشرير " (متى / 5/ 33 – 37). وجاء فى "رسالة يعقوب " (5/ 12): " يا إخوتى، لا تحلفوا لا بالسماء ولا بالأرض ولا بقَسَمٍ آخر، ولكن ليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا، لئلا تقعوا فى الدينونة ". وهذا كل ما هنالك. فهل فى هذا الكلام ما يفهم منه أن القسم كفر؟ بطبيعة الحال لا يوجد شىء من هذا لا من قريب ولا من بعيد.

هذه واحدة، والثانية هى أن الله نفسه قد صدر عنه القَسَم حسبما روى لنا العهد الجديد نفسه، فما القول إذن؟

جاء على سبيل المثال فى " لوقا " (1/ 73 - 74): " ... القَسَمَ الذى حلف (الله) لأبينا إبراهيم أن يُنْعِم علينا * بأن نَنْجُوَ من أيدى أعدائنا ... ".

ويقول كاتب " أعمال الرسل " (2/ 31): " كان (داود) نبيا وعلم أن الله أقسم له بيمينٍ أن واحدا من نسل صلبه يجلس على عرشه ... ".

بل إننا نقرأ فى " رسالة القديس بولس إلى العبرانيين " (6/ 13 – 17): " لأن الله عند وعده لإبراهيم، إذ لم يمكن أن يُقْسِم بما هو أعظم منه، أقسم بنفسه * ... * وإنما الناس يُقْسِمون بما هو أعظم منهم وتنقضى كل مشاجرة بينهم بالقَسَم للتثبيت * فلذلك لمّا شاء الله أن يزيد وَرَثَة الموعد بيانا لعدم تحوُّل عزمه أقسم بنفسه ".

وهذا ما قلناه قبل قليل، فلماذا إذن التنطع الكاذب وقلة الأدب والسفاهة مع سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم؟

كذلك فالملاك، بنص كلام يوحنا فى " رؤياه " (1/ 6)، يقسم بالله " الحى إلى دهر الدهور خالق السماء وما فيها والأرض وما فيها والبحر وما فيه ".

ليس ذلك فقط، بل هذا هو بطرس، خليفة السيد المسيح كما يقولون وأكبر حوارييه ومؤسس كنيسة روما، يحلف كذبا، فى آخر حياة سيده أمام الجمع الذى جاء للقبض عليه، ثلاث مرات متتالية إنه لا يعرفه ولا علاقة له به قائلا: " إنى لا أعرف الرجل! "، رغم أن المسيح كان قد نبَّهه إلى أنه سينكره فى تلك الليلة ثلاثًا قبل أن يصيح الديك، ومع ذلك وقع كالجردل فى الإثم الذى نبَّهه إليه نبيُّه! (متى / 26/ 72 – 73، ومرقس / 14/ 71) مستحقا بأثرٍ رجعىٍّ وَسْم السيد المسيح له قبلا بأنه " شيطان " وأنه لا يفطن إلا لما للناس ولا يفطن لما لله (مرقس / 8/ 32).

فماذا يقول الأوغاد فى هذه أيضا؟

ثم إننا نسألهم: ألا تحلفون كلكم فى حياتكم اليومية وفى المحاكم وعند ممارسة الأطباء منكم الطب وتَوَلِّى الحكّام حُكْم بلادهم ... إلخ؟ ألا يُقْسِم النصارى فى كل لحظة أمامنا بـ " المسيح الحى " و" العذراء " و" الإنجيل "؟

وبعد، فهل يشجِّع الإسلام على القَسَم كما يوحى كلام هؤلاء المآبين فى " ضلالهم المبين "؟ كلا على الإطلاق، ففى القرآن نقرأ قوله تعالى: " ولا تجعلوا الله عُرْضَةً لأيمانكم " (البقرة / 225)، " واحفظوا أيمانكم " (المائدة / 89)، " ولا تُطِعْ كلَّ حَلاّف مَهِين " (القلم / 10)، وفى الحديث مثلا أن الحَلِف إذا كان مَنْفَقَةً للسلعة، فهو َممْحَقَةٌ للبركة.

إذن فما قاله هؤلاء الفجرة التافهون المتنطعون لا يعدو أن يكون زوبعة فى فنجان!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير