تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما نَهْى الرسول عليه السلام الذى ذكره الأوغاد الفَجَرة فى سورتهم المفتراة المزيَّفة عن الحَلِف بالآباء وأَمْره عليه السلام لمن يريد الحَلِف أن يحلف بالله بدلا من ذلك أو فلْيصمت، فمعناه بكل وضوح لمن يريد أن يعرف الحقيقة لا مجرد الشَّغَب على سيد المرسلين هو محاربة العصبية القبلية التى كانت متفشية بين العرب أوانذاك وما يرتبط بها من التعظُّم بالآباء والأحساب والأنساب، فأراد الرسول الكريم أن يبين لهم أن البشر جميعا هم خلق الله وعياله وأنه لا فضل لأحد على أحد بنسب أو حسب، وأن توجُّه المؤمن ينبغى أن يكون لله وحده بوصفه عبدا له ينبغى أن يكون دائما على ذكْرٍ منه. وهذا هو المعنى الذى أراده الرسول عليه السلام، وهو معنى إنسانى عظيم لمن لم يطمس الله على بصيرته ويريد أن يفهم.

وبداية الحديث وختامه يدلان على أنه صلى الله عليه وسلم لا يحبِّذ الحَلِف، وهذا واضح من استخدام جملة الشرط، التى تعنى أنه إذا كان لا بد من الحَلِف فليكن باسم الله لا بأسماء الآباء التى من شأنها إحياء النوازع والنعرات الجاهلية لا أن الحلف فى ذاته مرغوب!

ولنفترض أن المسيح قد نسخ حكم التوراة فى الأيمان، فلم لا يكون من حق سيدنا رسول الله أن ينسخ بدوره ما قاله المسيح؟

وأغلب الظن أن عيسى عليه السلام، إن صحّ ما ترويه عنه الأناجيل فى هذا الصدد، قد لاحظ كثرة لجوء اليهود إلى الحَلِف لأكل حقوق الناس بالباطل، فأراد أن يضع حدا لهذه الظاهرة، وإن كان فى عبارته، كما هى العادة فى الكلام المنسوب إليه فى الأناجيل، مغالاةٌ أراد أن يوازن بها مغالاة اليهود فى المسارعة إلى استغلال اسم الله فى خداع الآخرين!

فكلا النبيين الكريمين أراد أن يعالج ظاهرة نفسية وخلقية ذميمة رآها منتشرة بين معاصريه.

وبالمناسبة فإنهم يعيبون محمدا عليه الصلاة والسلام بأنه أتى بالنسخ ويكفّرونه من أجل ذلك (سورة الرعاة / 8 – 10)، مع أن المسيح، حسبما ورد فى الأناجيل كما رأينا، هو الذى ابتكره رغم أنه أنكر أن يكون قد أتى لينقض الشريعة أو يَحُلّ الناموس! وهكذا نرى أنه ما من شىء يقوله هؤلاء الأغبياء زورًا وبهتانًا إلا فضحهم الله فيه! وبالمناسبة فعلماء الإسلام لا يقولون كلهم بوقوع النسخ فى القرآن.

وأخيرا نود أن نجلِّىَ جانبا من جوانب العبقرية الإسلامية فى مجال القَسَم، فعلى عادة الإسلام نراه ينتهز هذه السانحة لاستخلاص كل ما يمكن استخلاصه منها من فوائد، إذ يفرض كفارة على من يُقْسِم ثم يحنث بيمينه، إذ يُوجِب عليه عتق أحد الأرقاء أو إطعام عشرة مساكين أو كساءهم ... وهَلُمَّ جَرًّا، نافعا بذلك المجتمعَ ومساكينَه وفقراءه بأيسر سبيل. فانظر إلى هذه العبقرية الخلاقة التى تنجز أضخم الإنجازات بأقل الإمكانات، بدلا من التوقف عند لطم الخدود وشق الجيوب على قلة الإمكانات وعدم الفرص كما يفعل كثير من العرب والمسلمين اليوم حتى فى ميدان الكرة كما هو معلوم. والنتيجة هى هذا التخلف الشامل الذى نعانى منه على كل المستويات وفى كل المجالات!

فهذا عن القَسَم، ثم ننتقل إلى تعدد الزوجات، الذى يعده أهل اللواط والسحاق زِنًى وإشراكا بالله، فكأنهم يؤلهون المرأة ويعدّون من يأخذ معها زوجة أخرى مشركا. ولو أنهم قالوا إن الأفضل الاقتصار على زوجة واحدة ما لم تكن هناك ضرورة لما وجدوا من يخالفهم، وهذا هو موقف الإسلام، أما الزعم بأن الزواج بأكثر من واحدة هو زنى وشِرْكٌ فَجُنونٌ مُطْبِقٌ ليس لصاحبه موضع إلا فى مستشفيات الصحة العقلية والنفسية!

ألا يدرك هؤلاء الأغبياء أنهم بهذا يكفّرون أنبياءهم ويَقْرِفونهم بالفحشاء؟ ألا يعرف هؤلاء المخابيل أن إبراهيم وموسى وسليمان وداود وغيرهم من أنبياء العهد القديم كانوا من أهل التعديد، بل كان فى حريم بعضهم عشرات النساء؟

ألا يعى هؤلاء المناكيد أنهم بهذا يلوّثون عيسى نفسه، الذى ينتمى إلى داود وسليمان، وكانا من أهل التعديد كما ذكرنا؟

لكنْ مَتَى كان عند أولئك البلهاء عقل يميّزون به؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير