تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جاء ذلك فى حوار أجراه محمد البنكى مع د. أركون فى عدد 6 يناير 200م من مجلة "أوان" التى تصدرها كلية الآداب بجامعة البحرين إشارة إلى ما كان الكاتب الجزائرى المتفرنس قد قاله فى كتابه الذى ترجمه عادل العوا: "الفكر العربى"، وهو أن " The Quran is a discourse with mythical structure " ، ونقله العوا إلى لغة الضاد قائلا: "القرآن خطابٌ أسطورىُّ البنية"، وهى ترجمة سليمة ودقيقة ولا يمكن أن ينتطح فيها عنزان، أو حتى يتصارع دِيكان!

وقد ادعى أركون أن هذه الترجمة خاطئة، إذ القرآن يميز (حسبما قال) بين الأسطورة والقصص، فالكتب الدينية، وكذلك الفلسفية، تعتمد القصص والاستعارات والمجازات والرموز لتقديم الحقائق والتعاليم الدينية بصورة أدبية، فكيف تترجم هنا بـ"الأسطورة"؟ هكذا يقول ويتساءل كاتبنا الأمين، وقد ارتسمت براءة الأطفال فى عينيه الجريئتين، وكأن الدكتور العوا قد اخترع كلمة "الأساطير" من لدنه وألبسها النص بعد أن لم تكن فيه!

الواقع أن الدكتور أركون هو الذى يريد أن "يُلبسنا العِمّة"! لكن للأسف "خَرَجَتْ آوِتْ" يا دكتور! فالمعاجم الفرنسية، وكذلك المعاجم الفرنسية – العربية، تُجْمِع على أن معنى " mythe" هو "أسطورة، خرافة، وهم، تُرَّهة، شخص أو شىء خرافى" كما جاء بالنص فى معجم "المنهل" لجبور عبد النور وسهيل إدريس مثلا، ويؤيد ذلك ما أورده بتوسعٍ كلٌّ من " petit Larousse en couleurs" و" Grand Larousse encyclopedique" و" La Grande Encyclopedie Larousse" فى شرح الكلمة ذانها.

فأين تهرب يا دكتور أركون؟ أما زلت مصرا على أن الغلط هو من صنع العوا؟ أهذا هو المنهج العلمى الذى تصدع أدمغتنا بأنك جئتنا به لتعلمنا من خلاله كيف ندرس القرآن؟

يا رجل، إنك لا تقبل ما يقوله الإسلام من أن الوحى وما يتضمنه من عقائد وأخلاق وتوجيهات هو من الله، بل تنحاز إلى تفسير علماء النفس واللغة والأنثروبولوجيا له على أنه نتاج "الذات الجماعية الكبرى المعبرة عن مِخْيالٍ مصعَّد أو متسامٍ" (فى كتابك "الإسلام- أوربا- الغرب"/ ترجمة حبيبك وحواريّك ومروّجك فى السوق العربية د. هاشم صالح/ دار الساقى/ بيروت/ 1995م/ 112)، كما قلت إن الأديان (ومنها بل على رأسها الإسلام بطبيعة الحال لأنه هو المقصود بكلامك وانتقاداتك أولا وآخرا) تقوم على المعرفة الأسطورية لا العلمية (نفس المرجع/ 75)، فأنت إذن تضع "الأسطورى" فى مقابل "العلمى"، مثلما وضعته (فى كتابك "تاريخية الفكر العربى الإسلامى") فى مواجهة "العقلانى" (ترجمة هاشم صالح/ مركز الإنماء القومى ببيروت، والمركز الثقافى العربى بالدار البيضاء وبيروت/ 1998/ 16 - 17).

وبالمثل دعوتَ إلى وضع إستراتيجية تربوية لأكبر عدد من البشر تكون مهمتها "تغيير عقول الناس وتفكيك الآراء اللاهوتية القديمة والراسخة فى الذهن أبًا عن جَدّ منذ مئات السنين"، أى استبدال التفسير الأنثروبولوجى بالنظرة القديمة التى تقوم على الإيمان بالوحى الإلهى، وإن غلب عليك التشاؤم فقلتَ إن "الإنتاج المِخْيالى للمجتمعات البشرية والتأسيس الاجتماعى للروح والفكر يستمران فى الهيمنة سوسيولوجيا وسياسيا"، وإن "التجليات التقليدية للأديان سوف تظل لوقت طويل وسائل جبارة للتعبئة الاجتماعية، وسوف تستمر التصورات التقليدية الموروثة عن الأنظمة اللاهوتية فى تحريك ملايين البشر" (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينى/ ترجمة وتعليق هاشم صالح/ دار الطليعة/ بيروت/ 2001م/ 78 - 79/ هـ1).

بل لقد وصفتَ كلام القرآن الكريم عن زيارة إبراهيم عليه السلام لمكة بأنه "خيال أسطورى" لا علاقة له بالتاريخ الحقيقى (الإسلام- أوربا- الغرب/ 75 - 76). وهذا موقف طبيعى جدا ممن يؤكد أن "الوظيفة النبوية والخطاب الذى يوضحها أو يجسدها لا يمكنهما ممارسة فعلهما إلا داخل سياق معرفى ومؤسساتى يفضل الأسطورة على التاريخ، والروحى على الزمنى، والعجيب المدهش أو الساحر الخلاب بصفته بنية أنثروبولوجية للمخيال على العقلانى الوضعى" (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينى/ 86).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير