تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبالمناسبة فإن كاتبنا يأخذ على طه حسين أنه لم يطبق النظرية الأنثروبولوجية الخاصة بالمعرفة الأسطورية حين نفى زيارة الخليل إبراهيم لمكة هو أيضا فى كتابه "فى الشعر الجاهلى"، الذى صدر سنة 1926م (المرجع السابق/ 75).

ونحب أن نعرّف د. أركون أن رائده المصرى لم يقصّر كما ظن (وبعض الظن إثم)، فقد قام بالواجب وزيادة، إذ قال عن هذه الزيارة وبناء الخليل عليه السلام للبيت الحرام هناك إنها ليست إلا أسطورة يهودية استغلها العرب لأسباب سياسية (فى الشعر الجاهلى/ مطبعة دار الكتب/ 1926م/ 28 - 29).

ليس ذلك فقط، بل إنه زعم أيضا نفس الزعم الذى ينحاز إليه أركون، إذ قال إن الدين لم ينزل من السماء، وإنما نبع من الأرض، فهو نتاج اجتماعى، وإن الجماعة حينما تعبد الله فإنما تعبد (أو فلنقل: تؤله) نفسها (انظر كتابى "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه حسين"/ مطبعة الفجر الجديد/ القاهرة/ 1976م/ 24).

لكن يبدو أن معرفة د. أركون بالموضوعات التى يتحدث عنها هى معرفة ضحلة، ومن ثم فهو يحاول أن يغطى على هذا العوار المعرفى بكثرة ترديد المصطلحات الفارغة التى يحسب أنها قادرة على إرباك عقولنا ودفعنا إلى الإقرار بأستاذيته والاستسلام لما يهرف به.

مسكين، ورب الكعبة!

ثم إن درويشك وقرة عينك ولاعب الدور الأكبر فى تسويقك بين العرب "هاشم صالح" يا د. أركون قد ترجم كلمة " mythe"، فى كل مرة رآك تستخدمها، بـ"الأسطورة"، فلماذا قبلتَها منه ولم تتشاجر معه كما فعلت، أو تدَّعى أنك فعلت، مع د. عادل العوا لو كنت صادقا فى إنكارك على هذا الأخير؟

ألا ترى أنك تتخبط على غير هدى؟

من حقك أن تقول ما تشاء فى القرآن، سواء كان ذلك بعلم أو بجهل، لكن ليس من الحق ولا مما يتسق مع نبل العلم وجلاله أن يلجأ أحد ممن ينتسب للعلماء إلى أسلوب الحواة الذين يلاعبون المغفلين لعبة الـ3 ورقات!

إذا كنت تظن أن عندك عقلا فالناس أيضا عندها، والله العظيم، عقول وذكاء قد يفوقان عقلك وذكاءك!

ثم هذا هو درويشك وتابعك يقول فى موضوع الأساطير إن "عقلية الناس فى القرون الوسطى كانت ميالة إلى تصديق الحكايات الأسطورية بسهولة، ولم تكن تستطيع أن تميز بين ما هو حقيقى وما هو أسطورى كما نفعل اليوم، فينبغى ألا نُسْقِط عليهم عقليتنا المعاصرة، وإلا فلن نفهمهم. ولذلك نرى الطبرى يستشهد بالحكايات الأسطورية الرومانية للبرهنة على صحة ما ورد فى القرآن من قصص! ولا يشعر القارئ بأى تناقض إذ يفعل ذلك. وحتى الحكايات التى رواها عن النبى موسى معظمها أسطورى ولا علاقة له بالحقيقة التاريخية. وأما جلجامش، الذى هو بطل الملحمة الآشورية- البابلية الشهيرة بنفس الاسم، فإنهم ينظرون إليه وكأنه شخصية واقعية أو تاريخية. ينبغى ألا ننسى أن الأديان التوحيدية ظهرت فى منطقة غنية بالأساطير والأديان القديمة من مصرية وبابلية وآشورية ... " (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينى/ 163 فى الهامش).

ألا تزال تظن أن بإمكانك المراوغة؟

ولقد حاول د. أركون أن يوحى لنا بأن المقصود هو اعتماد القرآن فى أسلوبه على القصص والاستعارات والمجازات والرموز. لكن هذه أيضا لعبة مكشوفة وسقيمة، فالعب غيرها من فضلك، فالقرآن لا يعتمد دائما على هذه الأدوات، إذ هناك التشريعات والتوجيهات الأخلاقية، وجانب كبير من العقائد أيضا، فأين المجاز أو القصص فيها؟

وحتى مع إدخال القصص والمجازات والاستعارات فى هذا المجال، أيمكن أن يعنى هذا أن بنية القرآن هى بنية أسطورية؟

ثم لماذا يقال هذا فى القرآن وحده، على حين أن الأدب يعتمد كثيرا على هذه الأدوات، ولم يقل أحد ولا حتى كاتبنا الهمام إنه أسطورى البنية؟

إن الناس جميعا يدركون الفرق بين الأسطورة والمجاز والقصص، إلا أن أركون يتعمد خلط الأوراق رغبة منه أن يربكنا ويشتت انتباهنا فلا نستطيع أن نرى يديه وهما تغيران الورقة التى تربح من بين الورقات الثلاث بورقة لا تربح!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير