لك ترام العتبة ومبانى الميدان كلها بما فيها المطافئ وقسم الشرطة (كما فعلوا مع إسماعيل يس فى فلم "العتبة الخضراء")، وأخذ يتخيل ويحلم أنه سيأتى الوقت الذى يتبين فيه أن الفكر الإسلامى والعربى بعد أركون شىء آخر مختلف تماما عن الفكر الإسلامى والعربى قبل أركون، أو بعبارته هو: "ربما راح هذا العمل يشطر تاريخ الفكر الإسلامى، وبالتالى العربى، إلى شطرين: ما قبل أركون، وما بعد أركون"! (انظر كتاب أركون: "الفكر الإسلامى- نقد واجتهاد"/ ترجمة وتعليق هاشم صالح/ دار الساقى/ لندن/ 1990م/ 230).
يا حفيظ! شف يا أخى الرجل ومطاويه. (و"المطاوى" فى العامية المصرية هى الدعاوى العريضة التى لا يصدقها عقل!).
أما إن كنت تقصد بالوثائق الضائعة نُسَخَ القرآن التى تخلص منها المسلمون على عهد عثمان درءًا للفتنة، فقد فاتك، لكونك قليل البضاعة من العلم بالموضوع الذى تتناوله رغم كل الطنطنات والمصطلحات العجيبة التى تكثر منها، أن كتب علوم القرآن، وبخاصة تلك التى تتناول تاريخه وطريقة جمعه، قد احتفظت لنا بأشياء كثيرة جدا جدا من المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع بصراحة تامة. ليس هذا فحسب، بل إن تلك الكتب قد أوردت حتى القراءات الشاذة والقراء الذين كانوا يقرأون بها ... إلخ دون أدنى حرج، اللهم إلا إذا كان د. أركون يقصد بالوثائق
المذكورة شيئا آخر، وهو ما لا أستطيع إزاءه شيئا لأنى لا أُنَجِّم ولا أضرب الودع! ومن هذه الكتب، إذا أحب أن يرجع إليها: "تاريخ القرآن" للزنجانى، و"البرهان فى علوم القرآن" للزركشى، و"الإتقان فى علوم القرآن" للسيوطى، و"مناهل العرفان فى علوم القرآن" للزرقانى، و"الجمع الصوتى الأول للقرآن الكريم" للدكتور لبيب السعيد، و"مباحث فى علوم القرآن" للدكتور صبحى الصالح.
إن أركون يزعم أن ثمة تلاعبات قام بها العقل الإسلامى فى النص القرآنى أثناء "المرور من حالة الكلام الشفوى إلى حالة الكلام المكتوب ... وهذا ما فعله أيضا ناشرو السيرة النبوية كابن هشام (مات عام 213 أو 218هـ/ 828 أو 833م) " (تاريخية الفكر العربى الإسلامى/ 85).
كما يزعم أنه لم يحدث "إجماع، بعد فترة طويلة من الاحتجاج والاختلاف، على شكل ومضمون النص القرآنى، الذى انضم إليه مؤخرا الحديث النبوى المُنْجَز من قِبَل البخارى ومسلم بالنسبة للسنيين، ومن قِبَل الكلينى بالنسبة للشيعيين" إلا فى القرن الرابع الهجرى (المرجع السابق/95).
وبالمثل نراه يدّعى "أن المسلمين يرفضون منذ القرن العاشر الميلادى (أى منذ القرن الرابع الهجرى الذى قال إنهم قد أجمعوا فيه أخيرا على نص واحد للقرآن كما رأينا) أن يفتحوا تلك الإضبارة الشائكة المتعلقة بتاريخ تشكل المصحف الرسمى، أو بكيفية تشكل هذا المصحف الرسمى تاريخيا" (الإسلام- أوربا- الغرب/ 79).
ولكن أية تلاعبات تلك التى تعرَّض لها النص القرآنى؟ كنا نحب لو أفصح الدكتور حتى نكون على بينة مما يقول ومما ينبغى أن نناقشه، لكنه للأسف لم يحاول أن يبصرنا بما يقصد!
وأنا، فى الواقع، لا أستطيع إلا أن أرى فى هذا حيلة ماكرة (حسبما قدَّر، وإن كانت مكشوفة بل مفضوحة عندنا) لإيهام القارئ المسلم أن المسألة من الوضوح والبيان بحيث لا تحتاج لأى تحديد أو تفصيل!
والعجيب أنه يحدد القرن الرابع الهجرى، ولا أدرى على أى أساس ما دام قد أقر قبل ذلك بعدة أسطر بأن عثمان، رضى الله عنه وأرضاه، قد استطاع أن يضع حدا للخلاف فى قراءة القرآن فى فترة خلافته، أى بعد الهجرة بسنوات لا بقرون أربعة كما يحاول الكاتب الأمين أن يلقى فى رُوع قرائه!
على أنه لا بد أن نوضح للقارئ الذى لا إحاطة له بمسألة جمع القرآن أن الحديث عن الخلاف فى قراءة القرآن لا يعنى أكثر من أن الرسول قد أخبر المسلمين بنزول القرآن الكريم على سبعة أحرف، إذ رُوعِىَ أن الأغلبية الساحقة من العرب آنذاك كان يصعب عليهم أن يتبعوا فى نطقه لهجة واحدة؛ إذ لم يكن لهم قبل الإسلام دولة تضم شتاتهم
¥