تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولها لغة رسمية يتبعها الجميع. ثم لما تحققت هذه الوحدة فى ظل الإسلام وترسخت مع الأيام، وأصبحت هناك لغة رسمية واحدة لهذه الدولة، رأى الخليفة وكبار الصحابة أنه لم تعد هناك حاجة للحروف السبعة إلا فى أضيق نطاق، كجمع كلمة أو إفرادها مثلا مما تحتمله الطريقة التى كُتِب بها القرآن وتواترت به الروايات، وإلإبقاء على الهمزة أو تسهيلها، وإخلاص المد بالألف أو إمالته، وهو ما يعرف الآن بالقراءات القرآنية، وهى مسألة محسوبة ومقنَّنة وتم مراعاتها فى طريقة كتابة المصحف التى تسمح بالنطقين عادةً دون أية مشكلات.

هذه هى حقيقة المسألة التى يتعمد د. أركون أن يكون حديثه عنها مملوءا بالغموض كى يوحى للقارئ أنه بإزاء قضية خطيرة، وما هى بالخطيرة ولا يحزنون.

أما بالنسبة للتلاعب الذى يزعم أنه قد وقع فى النص القرآنى عند انتقاله من المرحلة الشفاهية إلى المرحلة الكتابية فهو كلام لا معنى له ولا وجود إلا على ألسنة من يريدون استبلاهنا، فالقرآن إنما تم تسجيله كتابةً منذ اللحظة الأولى إلى جانب حفظه فى الأذهان مما يجعل من المستحيل التلاعب فيه، وبخاصة فى ظل تقديس المسلمين التام له حتى لقد كان الواحد منهم يفزع أشد الفزع إذا سمع أحدا يقرأ على حرف غير الذى يعرفه، ولا يهدأ له بال إلا حين يتضح له أنه حرف صحيح نزل به أيضا القرآن الكريم، وحين تُوُفِّىَ الرسول عليه السلام قام الصحابة بجمعه فى كتاب واحد بعد أن كان مكتوبا لكن دون أن يشكل كتابا يضمه غلاف ... إلى أن جاء عثمان ووجد أن بعض المسلمين لم يتنبهوا إلى الحكمة من "الأحرف السبعة" التى نزل بها القرآن فى البداية تيسيرا عليهم، وظنوا أن القراءة التى يقرأ بها غيرهم على حرف مختلف عن الحرف الذى يقرأونه به هى قراءة خاطئة، مما كان من الممكن أن تترتب عليه فتنة لا يعلم مداها إلا الله، فقام بعد استشارة كبار الصحابة بجمع المسلمين على حرف واحد من هذه الحروف تقريبا وألغى الباقى، وقام بهذا العمل، كالعادة فى كل جمع قرآنى، لجنة وضعت لنفسها منهجا علميا سارت عليه كما يعرف ذلك كل من قرأ تاريخ جمع القرآن، وبهذا انحسمت المسألة.

لكن د. أركون يتجاهل هذا كله زاعما أن كتابة القرآن (مجرد كتابته: لاحِظْ) لم تحدث إلا فى عهد عثمان (انظر كتابه "الفكر الإسلامى- نقد واجتهاد/ ترجمة وتعليق هاشم صالح/ دار الساقى/ لندن/77).

فانظر، أيها القارئ الكريم، الفرق بين ما حدث على أرض الواقع وبين ما يهوّل به الدكتور أركون، الذى لم أر، على طول ما قرأت للكتاب من مستشرقين وعرب، من يدانيه فى المقدرة على اللف والدوران حول الموضوع الذى

يتناوله وإرهاق ذهن القارئ بإدخاله فى دوامة لا تكاد تنتهى من تفصيلاتِ تفصيلاتِ التفصيلات دون أن يصل به إلى شىء غير الطنطنة بأسماء العلوم الجديدة ومصطلحاتها، وعلى إحداث الفرقعات المخيفة تقليدا للطريقة التى اتبعتها أمريكا عند احتلالها العراق، طريقة "الصدمة والترويع".

لكنْ فات الأستاذ الدكتور أن الرصاص الذى يطلقه فى الهواء هو من النوع الفِشِنْك الذى لا يصلح إلا للعب

الصبيان!

ثم نصل إلى حكاية الإجماع على النص القرآنى الواحد الذى يقول إنه لم يحدث إلا فى القرن الرابع الهجرى، وكأننا بإزاء مجامع مقدسة كالتى عرفتها النصرانية والتى كانت تبدِّل وتخترع العقائد والطقوس، وتحلّل وتحرّم كما يحلو لها، وكأن الدين مسألة سياسية تخضع للمؤامرات والتربيطات، وليس عقائد وتشريعات ومبادئ خلقية موحًى بها من الله، وينبغى الحفاظ عليها كما أُنْزِلت من لدنه سبحانه وتعالى.

وأرجو ألا يظن القارئ أننى، بإشارتى إلى المجامع المقدسة، أعطى كلام أركون معنى أبعد مما يقصد، فهاهو ذا الدرويش التابع يقول بصريح العبارة تعليقًا على كلام شيخه الذى لا يقوم على رجلين: "القرآن لم يُثَبَّت كليا أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير