تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذه الأسماء لم تترك شيئا يتصل بالقرآن من غير أن تناقشه فى حرية وتفصيل ودون أية جمجمة، وقد وُجِد من بين العلماء من يبدون آراء تخالف ما عليه الجمهور بوجه عام قديما وحديثا، وهذا معروف عند دارسى علوم القرآن، علاوة على كتب التفسير المختلفة، وهى لا تكاد تُحْصَر، وتمثل محيطا زخّارا يضم فى جوفه الهائل المهول لآلئ لا تقدَّر بثمن من كل أنواع العلوم القرآنية كما هو معلوم.

والقائمة أكبر كثيرا جدا من هذا على ما يعرف الدارسون، لكن أركون يطلق الكلام على عواهنه متصورا أن لَوْكه للمصطلحات الفارغة والتفيهق بها سوف يُشِلّ منا العقول فنخرّ صرعى أمام سحر بلاغته الطنطانة الفارغة، وقد فغرتْ أفواهنا اندهاشا بل انشداها بما يقول.

مرة أخرى: مسكين! كان الله فى عونه!

لقد رأينا الدكتور أركون ينحاز للرأى القائل بإرجاع الدين إلى المخيال الجماعى، بمعنى أن الأنبياء ليسوا إلا معبرين عن ثقافة أممهم وتطلعاتها وأوهامها، فلا وحى ولا اتصال بالسماء البتة! وفاته أن يتنبه للواقع الذى يخزق الأعين والذى يجرى بعكس هذا الذى يزعمه تماما، فكلنا نعرف أن الأنبياء والمصلحين إنما يسبحون ضد التيار، ويظلون وقتا طويلا مكروهين من المجتمع الذى ينتمون إليه ويحاولون أن يهدوه سواء السبيل. بل إنهم ليتعرضون أثناء ذلك إلى ضروب من العنت والمشقة والأذى والإهانة والحصار والتضييق فى لقمة العيش، بل السجن والقتل أيضا. وهذا من الشهرة بحيث لا أظن أركون أو غير أركون يستطيع أن يجادل فيه ولو للحظة. ثم إن أممهم لا تؤمن، إن آمنت، إلا بعد اللَّتَيّا والّتِى حتى إن المستشرقين والمبشرين من أساتذتك وأحبابك، وقد فوجئوا بنجاح محمد ودينه على عكس ما كانوا يرغبون، قد زعموا، ويا لبؤس ما زعموا، أنه عليه السلام إنما أكره العرب بالسيف على الدخول فى دينه! كذلك قد يموت النبى أو المصلح دون أن يحدث أى تغيير فى المجتمع الذى قام من أجل تطويره.

ولا أدرى كيف نَسِىَ أركون ما أخذ يبدئ فيه ويعيد فى لذة شامتة من أن المشركين، حين أتاهم الرسول بدعوته، قد رفضوا أن يؤمنوا بما يقول إلا إذا جاءهم بدليل. على حين أن الدليل الذى يلح عليه سيادته لم يكن يزيد على بعض المطالب المتعنتة التى أراد المشركون من ورائها تغيير نظام الطبيعة دون أن يحاولوا إعمال عقولهم التى وهبها الله لهم لتُسْتَعْمَل فى مثل هذه المواقف لا لتُهْمَل ويتعلق أصحابها بتلك المطالب الطفولية التى كان لا بد أن تلقيها البشرية خلف ظهرها وتستقبل مرحلة أخرى يقوم الأمر فيها على الدليل العقلى لا الدليل الإعجازى الذى لجأ إليه أنبياءُ كُثْرٌ من قبل، ومع هذا لم يكن حالهم مع أقوامهم ولا النتيجة التى وصلوا إليها مع هؤلاء الأقوام أفضل مما وصل إليه محمد، بل ولا عشر معشار ما وصل إليه محمد!

وأذكِّرك يا دكتور، إن كنت قد نسيت على عادة من يغيرون كلامهم فى كل موقف ويلبسون لكل حال لبوسها ناسين كعادتهم أيضا أن يراعوا الحكمة القائلة: "إذا كنتَ كَذوبا فكن ذَكورا"، بأنك قلت إن المشركين فى مطالبهم تلك إنما كانوا يعبرون عن "الذات الجماعية" (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينى/ 97)!

فمن يعبر إذن عن المخيال الجماعى (أو الذات الجماعية: لا فرق، فأحمد هو الحاج أحمد!): الرسول أم المشركون من قومه؟

لقد احترتُ واحتار دليلى معك كما احتار دليل رامى وكوكب الشرق!

لكن، أيها القارئ الكريم، لا تأخذ فى بالك، فالأستاذ الدكتور لا يدرى ماذا يقول، بل كل ما يريده هو محاربة الإسلام بأى شكل، على طريقة مبدإ مدربى الكرة الفاشلين عندنا: "الذى تغلب به، العبْ به" دون أن يكون للفن أو الموهبة أو متعة الجمهور أى اعتبار. المهم النقاط الثلاث! والنتيجة هى الصفر المونديالى الكبير!

كذلك كيف تفسر لنا يا دكتور أركون كيف أن دين محمد قد انتشر هذا الانتشار الواسع خارج بلاد العرب والمجتمع العربى وما زال ينتشر حتى الآن، ودخل فيه أمثال دينيه وجِرْمانوس ولِنْجز وكاوون وجارودى وماسون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير