تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكى يكتمل النَّصْب ويكون نَصْبًا على أصوله يزعم هؤلاء أنهم إنما يفعلون ذلك لتحرير العرب والمسلمين. أى أن تشكيك العرب والمسلمين فى دينهم، وهو الورقة الأخيرة فى أيديهم التى يناضلون بها عن وجودهم وكيانهم وشخصيتهم حتى لا ينقرضوا، أو على الأقل حتى لا يذوبوا فى الغربيين ويصبحوا مجرد أذناب تفقد مسوغ وجودها مع الأيام فيقوم المجرمون ببترها لكى يثبتوا صحة نظرية "البقاء للأصلح" التى جاء بها تشارلز داروين.

إن هاشم صالح لا يكتفى بترجمة ما يكتبه شيخه، بل يحرص فى كثير من الأحيان على التعليق عليه فى الهوامش تعزيزا وتعضيدا لأفكار شيخه كى يقال عنه إنه قد شارك فى التأليف، أو كما يكتب هو أحيانا على غلاف الكتاب: "ترجمة وإسهام فلان"، وكأن المسألة ناقصة هاشم صالح.

فى كتاب لأركون اسمه "معارك من أجل الأنسنة فى السياقات الإسلامية" (يا حفيظ! استر علينا يا رب! أهذا بالله كلام يستحق الانتماء إلى لغة العرب، لغة الوضوح والإشراق والبيان؟ إنه عنوان يذكرنا بوجه الخنزير قُبْحًا، وذنَب الضَّب تعقيدًا! ولكن ما علينا، فلنعصر عليه ليمونة تدفع عنا شعور الغثيان ولنمض فيما نحن فيه!) فى ذلك الكتاب المذكور يتناول أركون كتاب "الإعلام بمناقب الإسلام" الذى وضعه أبو الحسن العامرى (ق 4هـ) يشيد فيه بدين محمد ويثبت أنه الدين الذى يضمن للمؤمنين به سعادة الدنيا والآخرة.

وبطبيعة الحال لا يعجب هذا الكلام البروفيسور أركون فيلفّ ويدور كعادته آتيًا كم شقلباظا من شقلباظاته الفكرية ومرصِّعًا كلامه بِكَمْ مصطلح من مصطلحاته البِسْبِسَانية الَمأْمَآنية لزوم الإبهار وتدويخ القارئ العربى وإيهامه بأنه أمام أستاذ خطير نحرير صاحب فكر عميق لا يصلح معه إلا التسليم به والخُرُور عليه فى صَمَمٍ وعَمًى وبَكَم تامّ دون أن يفتح فمه بكلمة ولو ليوحِّد بها الله.

ومن بين ما فعله مؤلفنا الشقلباظى فى العيب على الكتاب المذكور والحطّ من شأنه اتهامُه بالدفاع عما سماه هو بلغته البسبسانية المأمآنية: "السياج المغلق"، يقصد أن يقول: الجمود الغبى الذى يسوّل للمسلم بأن يرى فى دينه أفضل الأديان، تعصّبًا منه لعقيدته التى لا تسمح بالمناقشة ولا المراجعة والتى لا تستطيع أن ترى أو تسير إلا فى اتجاه واحد دون عقل أو تفكير!

يعنى: كالحصان الذى وضعوا على عينيه غمامتين فهو لا يرى إلا ما أمامه وفى أضيق نطاق.

وفى هذا السياق، وبدلا من اكتفاء هاشم صالح بالترجمة بأسلوبه المملوء بالأخطاء اللغوية، وبخاصةٍ لازمته العجيبة: "كما وأَنّ" التى لا أدرى أى شيطان زوَّده بها ونفخ فى رُوعه أن يكثر من ترديدها لدرجة تكاد تفقدنى رشدى لولا لطف الله بعبده الضعيف، نراه يتدخل بتعليقاته التى لا يخطر فى باله مرة أن يعتقنا منها قائلا فى الهامش تعليقا على مصطلح "السياج المغلق": "يمكن اعتبار فكر محمد أركون كله بمثابة تفكيك لهذا السياج المغلق والراسخ منذ العصور الوسطى. وهذا هو معنى نقد العقل الإسلامى. إنها محاولة لتبيان كيفية تشكُّل هذا العقل فى العصور الأولى وكيفية ترسُّخه فيما بعد بصفته عقلا مثاليا مطلقا لا يناقَش ولا يُمَسّ. ومن الواضح (وأرجو أن تأخذ بالك أيها القارئ لما يلى لترى الدَّجَل الشقلباظى كما ينبغى أن يكون، وإلا فلا)، ومن الواضح أنه لا يمكن أن يحصل أى تحرير فى الأرض العربية أو الإسلامية إن لم نبتدئ بتفكيك هذا الانغلاق التاريخى المزمن. فى الواقع إن العقل الإسلامى هو عقل تاريخى، أى أن له لحظة انبثاق تاريخية محددة تماما ويمكن الكشف عنها. وما إن تنكشف تاريخية العقل الإسلامى حتى تحصل زلزلة أرضية تشبه الزلزلة الفكرية التى حصلت فى أوربا بعد الكشف عن تاريخية العقل اللاهوتى المسيحى" (دار الساقى/ بيروت/ 2001م/ 252).

ولقد أغنانا الحداثيون والعلمانيون والملاحدة عن أن ننتظر حتى يقع هذا الزلزال لنرى توابعه، فهاهم أولاء من حولنا فى كل مكان، ونعرف أخلاقهم وتصرفاتهم كما نعرف ظهور أَكُفِّنا وزيادة، وندرك جيدا ما الذى ينتظرنا لو نجح هذا المخطط الشيطانى نجاحا تاما ولم يقتصر أمره على هؤلاء الأكروباتيين بل عمَّ الأمة كلها.

إن شقلباظيِّينا المفضوحين لا هَمَّ لهم إلا الخمر والجسد والدعوة إلى الحرية الجنسية بوصف ذلك كله وأمثاله حقا من حقوق الجسد وصاحبه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير