تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فللذرة نواةٌ تتوسّطها، وتسيطر على شخصيتها لأنها هي الأساس وقد تنشطر النواة، أو تنفلق ثمّ تلتحم، ومن الخطأ القول إن الإنسان هو الذي قام بشطر نواة الذرّة ليستخرج منها الطاقة الذرية، ولكن هذه العملية موجودةٌ قبل ظهور الإنسان على الأرض بملايين السنين، وهو الأساس الذي تقوم عليه حياة الشمس منذ الأزل، فحياة الشمس تعتمد على عملية الانفلاق والالتحام بنوى ذراتها، وهو ما يعبّر عنه بالطاقة النووية الشمسية، ولو توقّفت، لانتهت الحياة" ولا لزوم للدخول في التفاصيل المعقّدة، ولكن لابدّ أيضاً من التساؤل. هل "الحب والنوى" القرآني هو "النوى النووية" عند علماء الذرة؟ (7).

يجيب العلم بأنه لا يمكن التأكيد والجزم، ولكن يكفي القول: إن كثيراً من الآيات القرآنية قد جاءت مكتفية بالإشارة والتلميح من دون الإسهاب والتوضيح. ذلك أن القرآن ـ كما قلنا ـ كناب عقيدةٍ سماويةٍ في المقام الأول، وليس من المعقول أن يتعرّض لجميع الأسرار العلمية .. والمثير في المسألة أن (النوى) رأى المفسّرون فيها أنها تخاطب العرب الأوائل في جزيرتهم، لأن القرآن نزل على أعراب ليس لهم معرفة أو دراية بغير ما يحيط بهم من نخل ورمل وإبلٍ ومرعى، وسوى ذلك من الموجودات الطبيعية التي عرفتها الصحراء والواحات، و"نوى التمر" تناسب تفكيرهم.

كما أن (النوى) والنواة، تناسب تفكير الإنسان في القرن العشرين وما بعده، فلقد تركت الآية دون تحديد، ومع ذلك فإن الإنسان يستطيع أن يحدّد معناها بقدر ما يحمل من فكر علمي، والآية القرآنية (فالق الحب والنوى) ستظلّ كغيرها في كتاب الله تناسب الإنسان العادي، والمزارع، والفقيه، ورجل العلم. ينهل كل منهم من أسرارها على حسب وعيه وتفكيره، لأن سرّ الإعجاز القرآني صلاحيته لكل مستويات التفكير الإنساني، في كل مكان ولكل زمان.

لقد توقّف أحد المفسرين المعاصرين عند الآية الكريمة (أولم يرَ الذين كفروا أن السموات والأرض، كانتا رتقاً ففتقناهما (. (الأنبياء ـ 30) ونظر إليها نظرةً علميةً، فرأى فيها "إحدى الفرضيات البشرية التي تبحث في أصل الكون، وتزعم أنه بدأ في صورة غازٍ وأتربةٍ، ودخانٍ يملأ الفضاء، وينتشر فيه، ثمّ راح يتكدس في بؤراتٍ تحت تأثير الدوامات والجاذبية، ليكوّن الأجرام السماوية في الكواكب التي نراها، وهذا يعني أن الأرض والسماء كانتا متصلتين ثمّ فصل الله بينهما" (8) وفي ذلك تمحّلٌ لا مسوغٌ له، يضع النصّ القرآني تحت رحمة الفرضية، أو يُخضع الفرضية لفحوى النصّ الكريم، وهذا من شأنه أن يوقع الإنسان في مغالطاتٍ، نجد مثلها لدى من يقف عند الآيات التي تحفل بألفاظ الشمس والقمر والنجوم والجبال والمعادن، فيقرّر أن القرآن الكريم يتحدّث عن علم الفلك والجيولوجيا، كما يقرر عندما يتعرّض لذكر السحاب والمطر والرياح أن القرآن يتحدّث عن علوم الرصد الجوي والهندسة الزراعية، وعلم الحيوان، والتغذية وأنظمة الري، وقد علّق أحد المفسرين على آيات سورة الغاشية (17 ـ 20): (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت (قائلاً: "وهذه هي علوم الأحياء والفلك والجغرافيا كما نعرفها الآن" (9).

ووجد بعضهم أن مشاهد يوم القيامة في القرآن الكريم التي تتعطّل فيها النواميس، وتبدو الجبال من شدّة الهول (تمر مرَّ السحاب (. (النمل ـ 88) هذه المشاهد هي دليل على النظرية التي تثبت كروية الأرض ودورانها، وأن قوله تعالى: (الذي رفع السمواتِ بغير عمدٍ ترونها (. (الرعد ـ 2) يفيد بأن قوى الطرد المركزي، وقوى الجاذبية، هي الأعمدة التي ترفع السماء فوقنا، وهذا تفسير للنصّ يصرفه عن الدلالة المباشرة.

وربط العلماء بين الحركة الفلكية، وما ورد عن (القمر) الذي ذُكر في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرةً، واستدلّوا من المفسّرين على عناية التنزيل بهذا الكوكب الرائع، الذي خصّه الله بسورةٍ في كتابه العزيز، وقد كرّر القسم به (كلا والقمر (. (المدثر ـ 32) و (القمر إذا اتسق (. (الانشقاق ـ 18) أي أن الله تعالى ينبّه عباده دائماً بأنه يذكر في القسم أنواعَ مخلوقاته، المتضمنة للمنافع العظيمة، حتّى يتأمّل المكلّف فيها، ويشكره عليها، لأن الشيء الذي يقسم الله به يحصل له وقع في القلب، فتكون الدواعي إلى تأمّله وتدبّره أقوى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير