تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولم يقتصر حديث القرآن عن هذا الجرم السماوي على التذكير بنعمة الله، أو الحضّ على التفكير والتدبّر، وإنما قدّم كثيراً من الإشارات والرموز واللمحات التي تهدي إلى أضواء من العلم والمعرفة فيما يتعلّق بنظام الكون وأسراره، ففي قوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياءً، والقمر نوراً، وقدّره منازل، لتعلموا عدد السنين والحساب (. (يونس ـ 5) تحدّثت النظرية العلمية عن سرعة الضوء، وانتشار النور، مؤكّدة أن الضوء أقوى من النور وأبلغ منه، وأثبتت النظرية أن الآية نسبت الضياء إلى الشمس، في حين نسبت النور إلى القمر، لأن الشمس أقوى من القمر، وقال أهل التفسير: "إن الضوء ما كان بالذات كالشمس والنار، وأما النور فيكون بالعَرَض والاكتساب من غيره".

وقد ذكرت الآية أن الله قدّر القمر (منازل) أي مقادير معيّنة مخصوصة، فجعل له أماكن للنزول، أو قدّر سيره في فلكه، وللقمر ثمانية وعشرون منزلاً، ينزل كل ليلة في واحد منها، بنظام دائب لا يضطرب، وهو يحتجب عن الرؤية ليلةً أو ليلتين كل شهر، فيغيب ليلةً واحدةً إذا كان الشهر القمري تسعةً وعشرين يوماً، ويغيب ليلتين إذا كان الشهر ثلاثين "وثبت بالعلم أن القمر جسمٌ كرويٌ مظلمٌ، ولكن أشعة الشمس تضيء نصفه المقابل لها، ويتغيّر الجسم المستضيئ من القمر، من يومٍ لآخر في الحجم والشكل، منذ أول يوم حتّى نهاية الشهر القمري.

وتتوافق النظرية العلمية مع كلام الله الأزلي، في الحكمة في تقدير الله منازل القمر، التي تتجلّى في ضبط التوقيت الزمني لكل من اليوم والشهر والسنة والدهر، ومن وراء هذا الضبط، تكمن العبرة القرآنية، والحكمة الإلهية التي تهدف من جملة ما تهدف إلى تنظيم حياة البشر من عباداتٍ ومعاملاتٍ مدنيةٍ واقتصادية.

لقد أثبت العلم أن ضوء الشمس ذاتي، وأن نور القمر مستمدٌ منها لقوله تعالى: (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً، وقمراً منيراً (. (الفرقان ـ 61) والمراد بالسراج هنا الشمس بدليل قوله تعالى: (وجعل القمر فيهن نوراً، وجعل الشمس سراجاً (. (نوح ـ 71) أي إنه ضوءٌ منبعثٌ من ذات الشيء، وهذا ينطبق على الطاقة الحرارية المضيئة في الشمس، وأما القمر فهو نورٌ أو منير، أي ينير بوساطة الإشعاع الشمسي المنبعث من طاقتها التي تسقط على القمر فتنيره، وكأن كلمتي السراج والنور تشيران إلى أن الشمس هي مصدر الطاقة الحرارية، وهذا ما يقرره العلم" (10).

ورأى علماء الفلك في الشمس والقمر أن قول الله فيهما: (كلّ يجري لأجلٍ مسمى (. (الرعد ـ 2) يتفق مع وظيفتيهما في النظرية العلمية في مدار حساب الأيام، لأن الله (يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل (. (لقمان ـ 29) وهذا يعني أن الله ينقص من زمن الليل بقدر ما يزيد من النهار، وينقص من زمن النهار بقدر ما يزيد في زمن الليل (وسخر الشمس والقمر (. (فاطر ـ 13) (العنكبوت ـ 61) لمصلحة البشر، وأخضعهما لنظام دقيق بديع، حيث يجري كل منهما في فلك معين لا يحيد عنه، ويستمرّ ذلك حتّى يرث الله الأرض ومن عليها.

واللمحات العلمية القرآنية، التي يعارض كثيرون في تحميلها خواصّ النظريات العلمية، لا تعدم وجود أناس يتبنّون رؤيتها بما يتلاءم مع معطيات العلم الحديث، ورأى بعضهم أن قوله تعالى:

(يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلقٍ في ظلماتٍٍ ثلاث (يخالف ما جاء في تفسير القرطبي عن الظلمات الثلاث التي حددها في ظلمة المشيمة والرحم، وبطن الأم، بينما رأوا أن النظرية العلمية الحديثة تتفق مع تفسير أبي عبيدة (معمَر بن المثنى) الذي حدّدها بظلمة بطن الأم، وظلمة الرحم، وظلمة صلب الرجل (الخصية) ورأى أحد المشتغلين بعلم الأجنّة أن في قوله تعالى (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً (دليلاً على نشأة الإنسان في بطن أمه عند التقاء البويضة الناضجة المنطلقة من مبيض الأم، بالنطفة الذكَرية المنطلقة من صلب الرجل، حيث يشكّل الاثنان مشيماً يدعى طبياً (الزيجوت) أو (البويضة الملقحة) ويتمّ هذا الالتحام في العادة في الثلث الأخير من النفير، ممثلاً بداية النشأة. تبدأ بعدها حوادث الانقسام الخلوي بقصد التكاثر والتخصّص، فتتشكّل المشيمة من هذه الخلايا وتدعى (المرحلة التويتية) التي تصل إلى جسم الرحم بعد أسبوع من التخلّق، فتجده متأهباً ببطانته لاستقبالها، وضمّها بين حناياه، فتنغرس فيه،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير