تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتتابع الانقسام الخلوي، وتخصّص هذه الخلايا في تشكيل الأعضاء والحواس للجنين، حتّى يكتمل خلقه، وحواسه وعيشه، في المرحلة التالية، بعد خروجه من الرحم، مصداقاً لقوله تعالى (قل هو الذي أنشأكم، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون (. (الملك ـ 23) وبذلك تكون الظلمة الأولى، ثمّ تتبعها ظلمة المبيض الثانية، فظلمة الصلب الثالثة، ولكل واحدة من الظلمات الثلاث شرحٌ وقف عنده علماء الطب والتشريح، وقد علّق أحد العلماء على (الظلمة) القرآنية، التي خلقها الله (البصير) معللاً الحكمة من الظلمة تعليلاً علمياً، ووجد في ذلك قدرةً إلهية، لأن الخلايا الابتدائية لا تعيش في النور.

ولدى الوقوف العلمي أمام الآية الكريمة (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثمّ جعلناه نطفةً في قرار مكين، ثمّ خلقنا النطفة علقةً، فخلقنا العلقة مضغةً، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحماً، ثمّ أنشأناه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين (. (المؤمنون 12ـ 14) رأى أحد الباحثين، أن نظرية الخلق تتجسّد كاملة في هذه الآيات الكريمة، حيث ثبت بالتحليل المخبري والمراقبة الدقيقة العلمية المتطورة، في النصف الثاني من القرن العشرين، أن أطوار تشكّل الجنين تتمَّ بدقةٍ متناهية حسب معطيات النصّ القرآني.

....

وفي عالم الحيوان ...

عندما توقّف العلماء عند قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم (. (الأنعام ـ 38) وجدوا أن عالم الحيوان مماثل للعالم الإنساني، وأثبتت المراقبة للتجربة العلمية أن الإنسان الذي تخصّص بالعلوم العقلية، وابتكر المخترعات التي يقذف بها كل يوم إلى العالم ليجعل الحياة أكثر سعادةً، وأيسر متناولاً، قد سبقه فيها الحيوان إلى الابتكار والاختراع، فالنملة على صغر حجمها تبني مملكتها وفق أصول علميةٍ، وتقنيةٍ متطوّرة، تضاهي أكثر النظريات العلمية حداثةً وتطوّراً، فالنمل الأبيض الذي يعيش في الصحراء الأفريقية، قدّم للعلماء أفكاراً رائعة أثارت دهشتهم، ودفعتهم للبحث عن الوسائل التي تجعل المدنية المعاصرة ترفل بالرفاهية التي يرفل بها النمل في مملكته، هذه المملكة المغلقة التي كيّفها حسب متطلّبات العيش الآمن السعيد، فهي محصنة تحت الأرض بأكثر من مترٍ في العمق، وقد اخترع فيها وسائل خاصّةً تحقّق لها الرطوبة الدائمة التي لا تنقص ولا تزيد عن الدرجتين 98% ـ 99% مهما كان الجو في الخارج جافاً أو بارداً. إذ يعمد النمل إلى حفر خنادق يصنع داخلها ما يشبه الأنابيب التي تتغلغل في جوف الأرض إلى أكثر من أربعين متراً، حتّى تصل إلى مستوى الماء الجوفي، حيث تتبخّر منه الرطوبة، وتنتشر عبر الأنابيب، حتّى تصل إلى ردهات المملكة وغرفها، والشيء المثير في التمديدات أن المسالك التي أُعدّت لهذا الغرض، هي متممات أجهزة التكييف المتطوّرة التي أوجد لها النمل نظاماً فريداً لاستمرار تهوية مملكته الرطبة المغلقة، والتي تحتاج ـ على الدوام ـ إلى الأوكسجين اللازم للتنفس والعيش، فالنمل كالإنسان يأخذ الأوكسجين اللازم للتنفس والعيش، ويطرح ثاني أوكسيد الكربون، ولو أن الغاز المطروح قد اجتمع في المملكة لأدّى إلى اختناق النمل وهلاك جنسه، وقد أثبت العلم أن كل مليوني نملة، تحتاج إلى ربع مليون سنتمتر مكعب من الأوكسجين النقي "لكن الذي حيّر العلماء، وأثار دهشتهم أن هذه الحشرات تحيط ممالكها بأسوار سميكةٍ ومنيعةٍ، ولهذا فمن الصعب تحطيمها بالوسائل التقليدية، لأن مواد بنائها قد اختيرت بحكمة لتصبح صلبةً متينةً ـ مقاومة ـ ولا يستطيع الإنسان أن يهدمها إلا بالديناميت" (11)، وكأن بُناة هذه المملكة قد درسوا خواصّ موادّ البناء، وميكانيكية الرتبة كما يدرسها المهندس المعماري أو المدني، وقد أثبت العلم أن النمل قد عرف شيئاً عن مبادئ الجيولوجيا، أو علم طبقات الأرض، فاستخدم لبناء مملكته طبقةً خاصةً من الطين، تُحمَل من قبل (الشغّالات) حصراً، وهي جماعةٌ من النمل متخصّصةً بجرّ الأثقال وحملها، ثمّ يأتي (البناؤون) ليقوموا بدورهم بتسليح الطين، وذلك بإحضار موادّ بنائية تالفة، يختارونها بكفاءةٍ تخصّصية نادرة، ويخلطونها باللعاب، ويمزجونها بالطين، ثمّ يصبّونها في ما يشبه القوالب الصغيرة التي تناسب عالم النمل، ويبدؤون البناء قطعةً قطعة، تغدو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير