تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعدها المملكة صالحة للسكن المريح، ولها من المقاومة صلابة الإسمنت المسلح، تعمّر مئات السنين من دون أن تؤثّر فيها عوامل المناخ. من تعريةٍ أو تمدّد، كما أنها مقاومة للزلازل.

ولا تزال أنظمة الرطوبة والتهوية في المملكة تحيّر العلماء وتذهلهم بتصميمها الهندسي البديع، الذي اتّبعت فيه قواعد علمية عالية، كظاهرة البروز الخارجية التي تعدّ بمنزلة (الرئة) التي يتبادل النمل عن طريقها الغازات، إذ توجد في كل بروزٍ ستة أنابيب ضيفةٍ تمتدّ من أعلى المملكة إلى أسفلها، ثمّ تتفرّع تفرعات جانبية أصغر، كما تتفرّع القصيبات الهوائية داخل رئة الإنسان، ويعمل النمل على تغطية فتحات الأنابيب العلوية الخارجية بطبقات رقية جداً. تسمح بتبادل الغازين المطروح والمستورد؛ بأسلوب يتماثل ويتشابه مع الأساليب العلمية الهندسية التي تدرس هذه الأيام في الجامعات، وهذا يعني أن مهندسي مملكة النمل قد صمّموا عماراتهم لمئات السنين بمعايير دقيقةٍ، وبمواصفاتٍ عاليةٍ. بغية الحفاظ على التوازن داخل المملكة بنسبٍ لا يعتريها الخلل أو الخطأ أو الفوضى.

والشيء الذي أثار دهشة العلماء أيضاً في تصميم بيوت المملكة، كيفية اهتداء النمل إلى حمايتها من عوامل المناخ، بحيث لا تؤثّر عليها الأمطار، فقد صمم النملُ لكل بيت سقيفةً تسيل المياه من فوقها، ولا تتسرّب إلى داخل البيت حتّى لا تختلّ موازين الرطوبة، ودرجات الحرارة، وأنظمة التهوية، ومعايير مخازن الحبوب، وقد لا نستغرب إذا علمنا أن موقع المملكة يُختار أيضاً بعنايةٍ فائقة، بحيث يكون بمنأى عن مسالك تيارات الرياح، وبعيداً عن مجاري السيول التي يمكن أن يصيب ضررُها مساكن الإنسان، ولكنه لا يستطيع التأثير على بيوت النمل.

وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن قوة البيت وصلابته، ودقة تصميمه قد تجلّت في مواقف النمل من النبي سليمان عليه السلام حينما خاطبت نملةٌ قومها (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمانُ وجنودهُ (. (النمل ـ 18) هذا الموقف الذي يؤكد تحصين المملكة، وقد أدركت النملة عندما يكون قومها في الداخل فإنها تأمن معهم من بطش الجيش الجرار، وأن الجيش الجرار الذي يمرّ فوقها لا يؤثر على بيوتها، فلا تخشى من أن تهدم البيوت فوقها. لأنها تعلم جيّداً مدى إمكانية مقاومة البناء الذي تدخله بأمان، وتعيش فيه بغير خوف.

إن أبعاد هذه المملكة التي تكاد تكون مملكةً سحرية، على الرغم من واقعيتها، لا تزال تثير التساؤلات، فكيف اهتدت النملة إلى كل ذلك؟.

قد يجيب أحدنا بأنها الغريزة، لكنّ آخر قد يردّ بأن الغريزة لفظٌ بديلٌ لجهلنا الإنساني بما هو كائن، وما كان، وما سيكون، فالتكنولوجية النملية البدائية التي صممت طراز بنائها العمراني الفريد، وتكيّفت داخل مملكتها مع وسائل العيش برفاهية منقطعة النظير قياساً إلى رفاهية البشر، جديرة بأن تثير في العقل البشري حوافز التفكر والتدبّر، وتدفع صاحبه للبحث الجاد، والاستنباط المجدي للوصول إلى ابتكاراتٍ من شأنها أن تخدم البحث العلمي، ثمّ إنها حقيقةٌ علمية، فالمملكة عالم حيٌ متوازن، لا يتعطّل، ولا يفسد، ولا يحتاج إلى قطع غيار مستوردة، ولا إلى أعمال متخصّصين في الخارج، كما لا يحتاج إلى عملات صعبة، أو سوقٍ سوداء، وليس فيه وساطات ولا هدر، ولا غشٌّ ولا تزوير، ولا رشوة ولا تآمر، ولا اقتتال على منصب، أو تنافس على موقع مسؤولية.

ولكن: هل مملكة النمل هي الوحيدة المتقنة الصنع بين بيوت الحيوان؟ أم أن ثمّة بيوتاً أخرى جيدة الإتقان. محكمة النسج. يرفل فيها الحيوان بالحياة الملائمة؟.

أجل. هناك بيوت النحل التي جعلت الخلية مملكةً كاملة بنظامها العجيب المدهش، وهناك بيوت العنكبوت، التي مثّل لها الخالق بحال من اتخذ من دونه ولياً في الآية الكريمة (مثل الذين اتخذوا من دونه الله أولياء، كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهنَ البيوت لبيتُ العنكبوت لو كانوا يعلمون (. (العنكبوت ـ 41) وقد كشف العلم الحديث متانة خيوط العنكبوت قياساً إلى مثيلها من خيوط الحرير، فأين هو الوهن ما دامت الخيوط قويةً متناسقة النسج؟.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير