تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد ردّت الدراسات (الوهن) في هذا البيت إلى خللٍ في نظام الأسرة العنكبوتية، وليس إلى بيت السكن، لأن العلاقات في هذا البيت متفكّكة، متقطعة الأواصر والصلات، ووقف الباحثون عند المفردة القرآنية (اتخذت) حيث أُلحقت تاء التأنيث بالفعل اتخذ، ممّا يدلّ على أن الأنثى هي التي صنعت البيت، وليس الذكر، وهذا يشير إلى قوة الأنثى وضعف ذكرها، وتلك حقيقة بيولوجية لم تكن معروفةً من قبل .. وقد أثبتت الدراسات تربّع الأنثى على عرش بيتها العنكبوتي، وإحكام سطوتها على من يدخله، حيث تعيش فيه طاغية قاتلةً لا يعرف عالمُ الحيوان مثيلاً لها في البطش والإرهاب".

فلماذا يقول جلّ شأنه: (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت (؟ ولماذا يختم بعبارة "لو كانوا يعلمون"؟ لابدّ أن هناك سراً، والواقع أن هناك سرّاً بيولوجياً كشف العلم عنه فيما كشف لنا مؤخراً، فالحقيقة أن بيت العنكبوت هو أبعد البيوت عن صفة البيت بما يلزم من أمانٍ وسكينة وطمأنينة.

فالعنكبوت الأنثى تقتل ذَكَرها بعد أن يُلقّحها ثمّ تأكله.

ولهذا ـ يتنبّه الذكر إلى مصيره ـ فيعمد ـ غالباً ـ إلى الفرار بجلده بعد أن يلقّح أنثاه، ولا يحاول أن يضع قدمه في بيتها ثانيةً.

وتغزل أنثى العنكبوت بيتها ليكون فخاً وكميناً ومقتلاً لكل حشرة صغيرة، تفكّر في الاقتراب منه.

وكل من يدخل البيت من زوار وضيوف يُقتل ويُلتهم.

إنه ليس بيتاً إذن، بل مسلخ، ومذبحةٌ يخيّم عليها الخوف والتربّص.

وإنه لأوهن البيوت، لمن يحاول أن يتخذ منه ملجأً، و"الوهن ـ هنا ـ كلمة عربيةٌ تعبّر عن غاية الجهد والمشقة والمعاناة، وهذا من شأن من يلجأ لغير الله ليتخذ منه ملاذاً ومعيناً" (12). وصدق الله، إذ قرر بأن (أوهن البيوت لبيت العنكبوت (بيتٌ لا يقوم على الحبّ والتعاون والتفاهم، وإنما هو بيت متفكك واهنٌ يقوم على البطش والفتك والهلاك.

....

وفي الإنسان أيضاً ...

يقول الله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنه الحق (. (فصلت ـ 53) وبالإشارة إلى الأنفس، ينبّه القرآن الكريم إلى الأسرار التي يختزنها الجسم الإنساني، والتي سيكتشفها أهل العلم في المستقبل و"سين الاستقبال" في لفظ "نريهم" دليل على ذلك، كما أن لفظ "آياتنا" يشير ـ كما قال بعضهم ـ إلى "عجائب خلق الله، وجمعت كلمتا "الآفاق والأنفس" علوم الكون وعلوم الطب وفيزيولوجية الجسم البشري".

ومن الآيات التي وقفت عند وظائف أعضاء الجسم، والحكمة من خلقها على هذه الشاكلة، قوله تعالى: (ألم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين (. (البلد ـ 8 و9) وقد وجد علماء العصر الحديث أن التركيز على العينين، وربطهما باللسان والشفتين، جوهر الحكمة الإلهية، "لأن النظر بعينٍ واحدةٍ يرى منها الإنسان الأشياء في صورةٍ تختلف عمّا يراها عليه في كلتا العينين، والنظر بكلتا العينين يُعطي الأشياء تجسيماً وروعةً ووضوحاً لا يحققه النظر بعين واحدةٍ. واشتراك العينين معاً في رؤية الأشياء، يشكّل جهازاً خاصاً، ومهماً في الرؤية، ويوضّح هذه الحقيقة عدم استعمال العينين في آن واحدٍ بالنظر إلى الأشياء بالناظور فإنك ستحرم من كثير من روعة النظر المجسم وهيبة المنظر، وجمال المنظورات، وتناسق أجزائها وألوانها. قال "عينين" ولم يقل "أذنين" لأن الإنسان إذا ما فقد السمع بإحدى أذنيه استطاع أن يسمع بإذنٍ واحدة من دون أن يؤثّر ذلك في عملية السمع، أو يحدث خللاً أو اضطراباً، أو تغييراً في سماع الموجات الصوتية، والنبرات والنغمات، وتحسس درجاتها، أو اتجاهاتها، أو أنواعها، أو التلذّذ والتمتع بها.

أمّا قوله تعالى: (ولساناً وشفتين (فإن الجهاز الذي يصنع الكلام البشري بقدرة الله ليس اللسان وحده، لأن جهاز صنع الكلام يتركّب من عضوين رئيسيين هما "اللسان والشفتان" لأن الكلام يتكوّن من كلماتٍ، والكلمة تتركّب من حروف، وإن كل حرف يصنعه بقدرة الله، إما اللسان، وإما الشفتان، فإنْ نطقَ الإنسانُ بكلمة (زارَ) تحرّك اللسان وحده، ليصنع هذه الحروف الثلاثة، ويستطيع أن ينطق بها لو كان الناطق لا يملك شفتين. أمّا إذا أراد أن ينطق لفظ (باب) فإن الشفتين وحدهما ستتحرّكان لتصنعا هذه الحروف، من دون أن يشترك اللسان في صناعتها، ويستطيع الناطق أن يتلفّظ بها ولو كان لا يملك لساناً، فجهاز صناعة أصوات الحروف لتشكيل الكلمة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير