ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري وأيده العيني في عمدة القاري بقوله: " أسند الحديث المذكور بعد أن علقه كما ذكرناه قال الكرماني لعله سمع أولاً مرسلاً وآخراً مسنداً فنقله كما سمعه وفيه إشارة إلى أن الإسناد ليس بشرطه واستبعد بعضهم كلام الكرماني هذا وليت شعري ما وجه بعده وما برهانه على ذلك بل الظاهر هو الذي ذكره وقول الكرماني وفيه إشارة إلى آخره يؤيده كلام البرقاني حيث قال ولم يخرج البخاري ليوسف ولا لعبيد الله بن عمرو ولا لزيد بن أبي أنيسة مسنداً سواه وفي مغايرته سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة الموصول ".
وعلى هذا فالحديث صحيح، ولكنه ليس بقوة صحة الأحاديث التي رواها البخاري وكانت على شرطه.
وتستطيع الاستزادة في ذلك من خلال علم علل الحديث أيضا ...
ثانياً: فهم الحديث متناً:
1. الحديث موقوف على ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فهو من قول (اجتهاد) الصحابي. وللاحتجاج به تفصيل في علم أصول الفقه.
فإن تعارَض ظاهر كلامه (بخلق الأرض قبل السماء) مع نص قرآني صريح بأنهما كانتا معاً " كانتا رتقاً " .. فمن نقدم؟!
2. لعلك تتساءل: ما توجيه هذا التعارض بين ظاهر القول المنسوب لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مع ما ذكرته في الرابط أعلاه ـ عند الرد رقم 4 ـ؟
الجواب: تساءل الإمام الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه: دفع إيهام الاضطراب عن كتاب الله ص7 قبلك عن ذلك .... ومما قال: " وقد مكثت زمنا طويلا أفكر في حل هذا الإشكال حتى هداني الله إليه ذات يوم ففهمته من القرآن العظيم, وإيضاحه أن هذا الإشكال مرفوع من وجهين كل منهما تدل عليه آية من القرآن:
الأول-إن المراد بخلق ما في الأرض جميعا قبل خلق السماء الخلق اللغوي الذي هو التقدير لا الخلق بالفعل الذي هو الإبراز من العدم إلى الوجود والعرب تسمي التقدير خلقا ومنه قول زهير: ولانت تفري ما خلقت وبعـ ### ـض القوم يخلق ثم لا يفرى
والدليل على أن المراد بهذا الخلق التقدير أنه تعالى نصّ على ذلك في سورة فصلت حيث قال: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} ثم قال: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} الآية.
الوجه الثاني: أنه لما خلق الأرض غير مدحوه وهي أصل لكل ما فيها كأنه خلق بالفعل لوجود أصله فعلا والدليل من القرآن على أن وجود الأصل يمكن به إطلاق الخلق على الفرع وإن لم يكن موجودا بالفعل. قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَة} الآية. فقوله خلقناكم ثم صورناكم أي بخلقنا وتصويرنا لأبيكم آدم هو أصلكم.
وجمع بعض العلماء بأن معنى قوله والأرض بعد ذلك دحاها, أي مع ذلك فلفظة بعد بمعنى مع ونظيره قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} وعليه فلا إشكال في الآية ... ". ا. هـ
3. دقق في كلام ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، فمراحل بدء الخلق بحسب ((ظاهر حديثه)) كما يلي:
أ) خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ.
ب) ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ.
ج) ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ.
د) فَذَلِكَ قَوْلُهُ دَحَاهَا وَقَوْلُهُ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ فَجُعِلَتْ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.
هـ) وَخُلِقَتْ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ.
ولكن .... كان ذاك نص حديثه حرفياً وهو يحتاج إلى توضيح عند التدقيق بما فيه ...
والآن إلى التوضيح:
ـ اسنتنتاج ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ والمشار إليه بالحرف (د)، توصل إليه عن طريق جمع المرحلة (أ) مع المرحلة (ج).
أي الأيام الأربعة تساوي: يومي خلق الأرض مع يومي تقدير الأقوات.
ـ المرحلة (ب) لا تختلف أبداً عن المرحلة (هـ)
ودليل ذلك، أنهما لو كانتا مرحلتين مختلفتين لكانت أيام خلق السماوات والأرض ثمانية.
يومين لخلق الأرض (المرحلة (أ))
ويومين للمرحلة (ب)
ويومين للمرحلة (ج)
ويومين للمرحلة (هـ)
ومحال أن يقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بذلك
فالحديث أصلاً للرد على ذلك
أليس كذلك!!!
¥