فالمنسأة بهذا, "أداة للزمن", وقد تكون بهيئة العصا, كانت على رأس ملك سليمان, ملازمة له, متعلقة فيه, استدل من استدل على انقضاء "أجله" بذهاب "أداته الزمنية", التي كان يملك بها سليمان زمام "الزمن الأرضي",-وقِفْ عند "دابة الأرض" الواردة في الآية- فيزيد فيه ويأخره بالقدر الذي يعينه على فعل أوامر الله الملك. تماما مثل ما يحلم العلماء التقنيون اليوم, بالسيطرة على "الإزاحة الزمنية", سواء بتسريعها أو بإبطائها, ذلك الذي سبقهم إليه النبي "المؤتى من كل شيء", وبما سخر الله له, ليجعله آيته وحجته على الحضارة البشرية حتى منتهاها, أن القوة لله جميعا.)
لقد فهم الرجل من "المنسأة" شيئا شبيها بما يتخيله الغربيون فى رواياتهم "العلمية" وأفلامهم المستقبلية من سفن تسافر فى الزمن فيختار الربان وجهته ما ضيا ومستقبلا- فى الزمان -كما يختار ربان السفينة الوجهة يمينا ويسارا-فى المكان-!!
ولسنا فى الحاجة الى تكرير أننا لا ننقد حريته فى الفهم. وإنما ننقد اعتبار فهمه من مقتضيات ظاهر القرآن, وتحامله ظلما على أئمة التفسير. قال:
بداية السؤال ..
إذا كانت "المنسأة" هي العصا, فلم قال الله الحكيم "منسأته", ولم يقل "عصاه"؟.
ظاهر الآية يرفض ما قاله المفسرون ..
فالمفسرون جزاهم الله خيرا, على أن "الأرضة" أكلت "العصا" حتى نخرتها, فانكسرت, فسقط سليمان أرضا, فعلم من علم بموته بعدما خر على الأرض!.
أفيكون ظاهر الآية عنده هو ما ذكره (ه. ج.ويلز) لا ما ذكره (الطبري)؟؟
قال المردود عليه:
فظاهر الآية يشير بشكل جلي, أن من استدل على موته, ممن حضره, إنما استدل بما رآه من أن دابة الأرض "تأكل" منسأته, بالفعل المضارع, فهو استدل على الموت من الفعل الحاضر في الأكل, لا بعدما مضى الفعل وصار ما صار!.
لاحظ كيف اقحم "الزمن"ضمن "ظاهره" المزعوم, فتحدث عن الفعل المضارع باعتباره صيغة لا مادة-فمادة الفعل "تأكل" جعلها بين علامة التنصيص اشعارا بمعنى آخر غير الاكل الحقيقي- ونبه على "الفعل الحاضر فى الأكل"مدعيا ان ذاك هو محور الاستدلال ... فلم يصب الظاهر ولا المنطق ..... :فأكل الدابة ليس تجريبيا بالشيء العيان الملاحظ ليستدل به بل المراد الاستدلال بالنتيجة الظاهرة وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ.
فالسقوط هو العمدة فى الاستدلال عند الإنس والجن. وقد فسر هذا السقوط بسبب من المرتبة الأولى وسبب من المرتبة الثانية: فالأول هو تهاوي المنسأة وهو ملحوظ والثاني هونخر الدابة للمنسأة وهو فى حكم المغيب. لأنه لم تجر العادة أن يتفرج الانسان على الأرضة أو العثة وهي تقوم بفعلها التخريبي.
لكن الذي حمل" المفسر" على هذا التكلف هو ما فى نيته من تأويل "المنسأة"بآلة الزمن"فكان لا بد من التمهيد لذلك بذكر الزمن وإقحامه فى الاستدلال "الظاهر".والحيلة كما يبدوفى ميزان المنطق ضعيفة جدا لكنها لها ثقل فى ميزان
"التداعي"الذي سنخصص له حيزا من الكلام ان شاء الله.
هذا وقد أشرنا آنفا الى أن الاستنباط من الظاهر-الحقيقي لا المزعوم- لا يسمى "ظاهر النص"كيف والعلماء يقولون:
" الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل التأمل."
أو كما قال "الشاشي:
الظاهر اسم لكل كلام ظهر المراد به للسامع بنفس السماع من غير تأمل.
ومعلوم أن الاستنباط لا يكون إلا بتأمل. وليس للمردود عليه خيار بين أمرين:
-أن يعد "اجتهاده وتأويله"هو ظاهر القرآن, فيقال له هذا قلب للأجناس.
-أن يقول: هو اجتهاد وتأويل شخصي لكنه مستند الى ظاهر القرآن .. فيقال له وكذلك فعل غيرك من المفسرين.فلا وجه لادعائك انحرافهم عن الظاهر. فضلا عن تشنيعك وتشغيبك عليهم.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[13 Jun 2005, 01:34 ص]ـ
موقف الشيخ صلاح الدين ابوعرفه من السلف:
لا أحد ينكر-ولا ابو عرفة نفسه-ان تفسيراته مختلفة عن المالوف, فلم يؤثر عن واحد من السلف تصريحا أو تلميحا أن" الخضر هو ابو موسى ابن عمران" أو أن "القدور الراسيات مفاعل سليمانية نووية"أو "أن آية قوم يونس هي الوفاة".وقد يستمتع صاحب الاختلاف بالتفرد لحظة, لكن لا يستطيع أن يخفي دائما الحقيقة الشاخصة:
¥