تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[18 Jun 2005, 02:48 ص]ـ

هذا القرآن معجزة مرتين:

-معجزة باللغة.

-معجزة فى اللغة.

أعني ب"الإعجاز باللغة" ما هو معروف من كون القرآن نزل بلغة العرب أصواتا وألفاظا وتراكيب. ومع ذلك لم ترتفع لبليغ عربي أو فصيح بدوي همة لمنافسة القرآن وقنعوا بالعجز, وفوقهم صوت القرآن ينادي بالتحدي .. مع أن الاستجابة للتحدي مغروزة فى فطرة الانسان.

وأعني ب"الإعجاز فى اللغة" اختيار الله سبحانه وتعالى إجراء المعجزة على صعيد اللغة وليس على صعيد آخر, وهذا الاختيار نفسه إعجاز. وتوضيح ذلك كما يلي:

إن المعجزة الخاتمة -لتكون حقا كذلك- يجب أن تستجيب لشروط ثلاثة:

-شرط عموم الإنسان.

-شرط عموم المكان.

-شرط عموم الزمان.

فالمعجزة الختامية ينبغي أن تصل الى كل مدعو من الأنس والجن, فلا تقوم الحجة على الجميع على نحو سواء, إلا إذا باشرها جميعهم على نحو سواء. فبدهي أن من رأى الآية عن كثب ليس كمن رآها عن بعد ,ومن عاينها ليس كمن أخبر بها. ومن باشرها ليس كمن لم يباشرها. ومن منطلق العدل الإلهي فى هداية البيان لزم التساوي بين الجميع. فلله الحجة البالغة. وحجج الناس داحضة عند ربهم.

ومن المبدإ نفسه تحتم على المعجزة الخاتمة أن لا تختص بمكان دون مكان. لأنها لو كانت كذلك لحصل الإخلال بشرط عموم الانسان لأن الحجة تكون قد أقيمت على من يكون "هنا" وليس على من هو كائن "هناك".

ومن هذا المشرب أيضا مقولة الزمان: فينبغي للمعجزة الخاتمة أن تستمر من مبعثها الى ختام الزمن أو بعبارة أدق الى زمن آخر مكلف فى هذه الحياة الدنيا.

والآن ....

ما المعجزة التي ستفي بالشروط الثلاث معا؟

مهما فكرنا فى الافتراض وأعدنا فى الاحتمال لن نتجاوز "اللغة".

فلو كانت المعجزة الخاتمة من جنس "عصا موسى" مثلا لكانت شيئا من الأشياء واختل شرط عموم المكان مثلا, لأن من الضروري أن تكون العصا فى مكان ويخلو منها مكان آخر. ولا يعقل تقسيمها على كل الاصقاع.

ولو كانت المعجزة من "نوع إحياء الموتى" لكانت فعلا من الأفعال فى ظرف مكاني وظرف زماني خاص ولا يعقل أن تقع فى كل زمن .. وفى كل مكان معا.

لكن انظروا الى القرآن لما كان من جنس اللغة فقد لبى كل الشروط:

يتلى هنا وهناك ...

يتلى اليوم وغدا, هنا وهناك.

يتلوه زيد وعمرو, اليوم وغدا, هنا وهناك ....

هذا ما قصدته ب"المعجزة فى اللغة".

لكن ماذا عمن لا يتكلم العربية. أليس ذلك خرقا لما زعمته من شرط العموم؟

روى مسلم فى صحيحه: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.

وعبارة " لا يسمع بي"جاءت بلفظها فى رواية مسلم وأحمد والبيهقي والطيالسي.فلا بد أن يكون مناط إقامة الحجة هو مجرد السماع كما هو ظاهر الحديث. فكيف نوفق بين هذا وما زعمناه من شروط العموم؟

هذا هو المطلب الذي سنبحث عنه وهو أساس الرد على صاحب موقع أسرار القرآن.

قال الله تعالى فى أول تحد فى القرآن:

وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (24) سورة البقرة.

الخطاب للحاضرين وقت النزول لكن سياق التحدي يرشح العموم. (ولا نحتاج الى التذكير بعموم تحدى الانس والجن معا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فى آيات أخرى).

التحدي الالهي فى الآيتين معا مبني على أسلوب الشرط:

إِن كُنتُمْ ....... فَأْتُواْ

إِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ...... فَاتَّقُوا

ومفهوم الشرط فى الأولى يفيد أن من عجز عن الإتيان بمثل سورة لن يكون عنده ريب. والمقصود بالريب هنا الشك الذي له مبرر عقلي, لا مطلق الوسواس. لأن الوسوسة لا علاقة لها بالاقتناع فقدتراود الراسخين فى الايمان وليست مع ذلك شكا بل هي محض الايمان .. كما ثبت فى الحديث.

لكن ماذا لو عجز الانسان عن الإتيان بمثل سورة ... ثم قال: لإن كنت عاجزا فلعل غيري يستطيع ذلك. أو لإن كان الناس اليوم عاجزين فمن المحتمل أن يستطيع غيرهم فى ما سيأتي من الأزمان. (تذكروا شبهة التطور والارتقاء).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير