ولا أخفيك أن أكثر ما ذكرته معلوم، والتذكير بالمعلوم لا يقل أهمية عن تعليم غير المعلوم، وقد قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذريات:55) فجزاك الله خيراً على هذا التذكير.
وقد اتبعت وصيتك مع صاحب موقع أسرار القرآن مدة غير قصيرة، وأنا أحاول أن ألتمس له الأعذار، وأؤكد له أن في دراساته شيئاً من الحق والصواب، إلا أن منهجه غير مرضي لأسباب كثيرة.
وقد رجعت إلى موقعه، وقرأت بعض دراساته، فتبين لي أمور:
منها: أنه يتعب نفسه في تقرير قضايا لا يتعلق بها عمل في الغالب، وإنما هي من فضول المسائل، ولو لم يعلمها أيّ مسلم ومات وهو يجهلها لم يفته شيئ.
ومنها: إصراره العجيب على آرائه، فقد قرأت بعضاً من ردود القراء عليه، وبعض الردود مبنية على أدلة صريحة صحيحة قطعية، ومع ذلك لا يقبلها، ويحاول أن يجد له مخرجاً، ولم أجد له إلى الآن أي اعتراف برأي يخالفه. وهذا في الواقع ادعاء عصمة. واقرأ الردود على دراسته التي طلبت منك إبداء الرأي فيها.
ومنها: تحمس أتباعه العجيب لآراءه، ودفاعهم عن كل ما يقول.
وأما ما ذكرتَه وفقك الله من الأقوال الغريبة في كتب التفسير، والآراء الباطلة؛ فهذا لا شك فيه، ولا زالت الدراسات تخرج الغث من كتب التفسير، وتبين الضعيف، وتحكم على كل قول بما يناسبه. إلا أني لم أجد في كتب التفسير من يدعي أن ما قرره هو الحق المحض، ولا زال الأئمة ينبهون على أن ما يكتبون محتمل للخطأ والصواب.
وهنا أمر أنبه عليه صراحة، وأرجو أن يتسع صدرك له، وهو أن أغلب الدراسات التي تحررونها، وتبينون فيها بعض أخطاء المفسرين وغيرهم إنما هي في مسائل علمية لا يبنى على أكثرها عمل؛ إما مسائل نحوية، أو بلاغية، أو نحوها من مسائل - مع أني لا أقلل من شأنها - إلا أن جهلها، وعدم العلم لا يترتب عليه كبير أثر.
ولو أننا أمعنا النظر فيما ثبت عن الصحابة خصوصاً من أقوال في التفسير لما وجدناهم اهتموا بمثل هذه المسائل. وقد كتبت قبل مدة مقالاً بعنوان: تأملات في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة للآيات، وهو موجود في هذه الشبكة في قسم المقالات.
ورحم الله سيد قطب، فقد أجاد عندما قال: (أما القاعدون من المسلمين الباحثين والمفسرين الذين لا يتحركون حركة علمية بالقرآن فهم لا يفهمون القرآن، ولا يحسنون تفسيره، ولا يدركون منهجه. إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها، والذين يتلمسون معاني القرآن ودلالته وهم قاعدون يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئاً في هذه القعدة الباردة الساكنة، بعيداً عن المعركة، وبعيداً عن الحركة) الظلال 4 - 1864، 1948.
أسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يهدينا بالقرآن، ويرفعنا به. وأعوذ به تعالى من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع.
ـ[خالدعبدالرحمن]ــــــــ[23 Jun 2005, 10:13 ص]ـ
شكر الله لأخي الكريم، محمد عتوك موقفه الذي أراه مبنياً على فهم، وحلم، وسعة صدر، وبحث عن الحق.
أمّا أخي المشرف العبيدي، فله الشكر لكلماته التي تجد فيها رائحة الغيرة على المسلم، ودينه.
ولكن اسمح لي بمناقشتك فيما يلي:
1 - قولنا أن في القرآن علوما لا تلزم!
فكيف نرضى لكلام ربنا أن يكون فيه (العملي وغيره)؟!
كيف نرضى أن يكون في كتاب الله ما لا يلزم التساؤل عنه؟!
كيف يكون في كتاب الله ما لا ينفع المتدبر الباحث فيه.؟!
2 - أؤكد لك أخي أنّ دفاع من حول الشيخ صلاح الدين أبو عرفة عنه، لا ينبع من إتباع أعمى، أو إيمان بغير هدى. وإنما إيمانهم بالمنهج الذي ارتأوه صحيحاً، و علموا أنه الهدى. وليتك مع إخوتك في نقاشهم مع شيخهم ترى حرصهم على الحق.
وكم قال الشيخ وكرر أكثر من مرة في المسجد الأقصى وغيره أننا نلتزم القول الذي يستدل صاحبه لقوله ببينة، ونتركه لقول صاحب الحجة الأعلى. بل قال غير مرة أن إذا رأيتم مني تعصباُ لقول ورفضي لما قد تروه أصح وأقوى حجة فاتركوني واتركوا قولي.
وليس أدل على ذلك ما يذيل به كل بحث له: {ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}.
¥