تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في قوله: (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) إلى غير ذلك من الآيات البينات والمعجزات. إلا أنه لا يختلف في أن معجزته الباقية وآيته الخالدة هي هذا الكتاب العزيز والذكر الحكيم والقرآن المجيد فهو المعجزة التي تخاطب أجيال البشرية المتعاقبة لتهديها إلى البارئ – جل وعلى – وإلى سبيل النجاة والخلود في دار المقامة والكرامة ولتعريف الإنسان على حكمة خلقه. وانطلاقاً من ذلك فإن كل جيل سيجد في كتاب الله من البينات ما يقيم عليه الحجة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة) ومعنى ذلك أن باب التفسير سيظل مفتوحاً أمام الأجيال في نطاق احترام ثوابت التفسير وهي: 1 - المأثور عن النبي –صلى الله عليه وسلم. 2 - المأثور عن أصحابه – عليهم رضوان الله. 3 - مقتضيات اللغة العربية. التي سنشير إليها فيما بعد. فإذا احترمت هذه الثوابت فلا حرج – إن شاء الله – على المفسر ولعله لا يدخل تحت طائلة الوعيد في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي عنه – عليه الصلاة والسلام: (من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ). وقول الصديق - رضي الله عنه - وقد سئل عن الأب فقال: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأي؟) فكل الأدلة تشير إلى أن شخصاً قد يفتح له بفهم في كتاب الله لم يكن معروفاً لغيره وهذا ما يشير إليه دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لابن عباس: (اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل)، واتفق العلماء على أنه تأويل القرآن، وقول أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه وأرضاه – لما قال له أبو حنيفة: هل عندكم شيء من الوحي ليس في كتاب الله؟ فقال: (لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن). فهذا الفهم هو الذي نعتمد عليه في تعاملنا مع القرآن بالعلوم، وقد قال الفخر الرازي: (إن المتقدمين إذا ذكروا وجهاً في تفسير الآية فذلك لا يمنع المتأخرين من استنباط وجه آخر في تفسيرها) هذا في التفسير بما لم يؤثر عن السلف بصفة خاصة، أما فيما يتعلق بالتفسير العلمي فقد اختلفت أنظار العلماء، ولعل أقرب ذلك إلى الصواب وأولاه بالإتباع ما قاله في التحرير والتنوير حيث يقول ابن عاشور: ( .. وإن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد تعلقاً بتفسير أي قرآن … .. وكذا قوله تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) فإن القصد منه الاعتبار بالحالة المشاهدة فلو زاد المفسر ففصل تلك الحالة وبين أسرارها وعللها بما هو مبين علم الهيئة كان قد زاد للمقصد خدمة. وأما على وجه التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل الصحيحة من العلم حيث يمكن الجمع، وأما على وجه الاسترواح من الآية كما يؤخذ من قوله تعالى: (ويوم نسير الجبال) أن فناء الأرض بالزلازل، ومن قوله تعالى: (إذا الشمس كورت) .. الآية أن نظام الجاذبية يختل عند فناء العالم) واستطرد ابن عاشور حيث نقل عن ابن رشد الحفيد في فصل المقال قوله: (أجمع المسلمون على أن ليس يجب أن تحمل ألفاظ الشارع كلها على ظاهرها ولا أن تخرج كلها عن ظاهرها بالتأويل، والسبب في ورود الشرع بظاهر وباطن هو اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم في التصديق. هذا عن التفسير العلمي، وإنما مرادنا هو نوع خاص منه هو التقاء الحقيقة القرآنية وهو ما أشار إليه ابن عاشور في الفقرة الثانية من الكلام المذكور آنفاً من التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل الصحيحة من العلم أما الإعجاز العلمي: فهو إعجاز خبري بدون شك ولكن وسيلة كشفه هي العلوم المعاصرة ومعنى ذلك أن مستقر النبأ يجئ عن طريق العلوم العصرية (لكل نبأٍ مستقر) مستقره يوم اكتشافه وهو أمر لا ينافي نصوص الشريعة ولا مقاصدها. والإعجاز العلمي مركب من لفظين أولهما: الإعجاز وهو السبق والفوت، وهو أيضاً جعل الآخر عاجزاً، وثانيهما: العلم وهو كما يقول الأصفهاني: (إدراك الشيء على حقيقته وذلك ضربان، أحدهما: إدراك ذات الشيء والثاني: الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود به، أو نفي شيء هو منفي عنه). والعلم هنا المراد به ما كشفته العلوم التجريبية من حقائق كونية بحقائق مقررة في القرآن الكريم أو السنة النبوية، ووجه الإعجاز يتركب من ثلاثة عناصر: عنصر الزمان، والرسول الأمي – صلى الله عليه وسلم – والكشف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير