تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما أنا .. فأطلقتها من موقف "علميّ" مَحْضٍ، إذْ لا أصلَ لها حقّاً، ولذا فقد قمت -في هذا البحث- بالتدليل على ما قررته سابقاً.

اللغات القديمة في هذه المنطقة:

قرّر المختصون الغربيون بلغات المنطقة العربية، ثلاثة أشياء:

1. هذه اللغات .. بينها "تشابُهٌ" ولهذا .. فهي ترجع إلى أصل لغوي واحد، أيْ: لغةٍ أمّ لها جميعاً.

2. هذه اللغة هي اللغة الساميّة الأولى التي انبثقت عنها هذه اللغات ([22]).

- أمّا أنّ هذه اللغات .. بينها تشابهٌ .. فهذا صحيح، وإن كان افتراضُ أصلٍ واحد لهذه اللغات .. هو افتراض لا يقوم على دليل "مقنع"، لأن التشابه في بعض الصفات، لا يعود إلى أنها آتية من أصل واحد، وإنما يعود إلى أمرين:

الأول: أن اللغات جميعها .. بينها .. بعض الخصائص المشتركة، وأمامي كتاب وَجَدَ مؤلفه شبهاً بين العربية والإنجليزية (لاحظ- العربية والإنجليزية!) بلغت ألفاً وخمسمئة لفظة (1500)، ولم يتناول من المعجم إلا ثمانية حروف ([23]).

ذاك .. لأن طبيعة الإنسان لا تختلف اختلافاً جذريّاً بين شرق وغرب، وشمال وجنوب ولهذا .. فمعظم الأصوات اللغوية هي مشتركة بين جميع الأمم.

والثاني: أنه إذا كانت لغات الأرض جميعاً .. بينها بعض التشابه .. فإنه من البديهي أن لغات المنطقة الواحدة بينها، لا بدَّ، تشابهٌ أكبر، عن طريق تقارب التكوين البيولوجي والفكري لمن يقطنون منطقة واحدة، وعن طريق تقارض الألفاظ بين هذه اللغات، ومحاكاة اللغة الجديدة منها اللغة القديمة ببعض القواعد الضرورية، وتركيب الجمل، وهذا .. لا يقتضي – من حيث العقل والعلم الضروريّ – وجود لغة أمٍّ أتت منها هذه اللغات. وإلا .. فإن كل لغات الأرض لها "أمّ" واحدة الوجود.

ومما يزيد أمرَ تشابه اللغات – حتى المتباعدة منها في المنشأ – وضوحاً .. أنّ دارسي عائلات اللغات "اضطربوا" في تحديد موطن ما أسمَوْهُ (الساميين والحاميين) .. فقال بعضهم بأن موطن الشعوب الساميّة منطقتا دجلة والفرات. ورأى بعضهم الآخر بأن منشأ الشعوب الساميّة والحامية .. إنما هي إفريقية أو الحبشية. لماذا؟ لأنهم وجدوا .. وهذا هو موطن الاستشهاد – "تقارباً" بين اللغات الساميّة والحامية، وعندي أن التقارب طبيعي لتشابه الطبيعة البشرية.

لاحظ أنهم وجدوا تقارباً بين ما أسمَوْه اللغات الساميّة: واللغات الحاميّة، فبنوا على ذلك "وهماً"، وهو أنهما –إذن- من موطن واحد! بَدَل أن يتنبّهوا إلى أن تشابه اللغات (في بعض الخصائص) راجع إلى تشابُهِ الطبيعة البشرية، ليس أكثر.

ولضلالهم في البحث والاستنتاج عدّوا ما أسمَوهْ الشعوب الساميّة، والشعوب الحاميّة من موطن واحد أصلاً، ثم "افترقا؛ الساميون .. استقروا في منطقتنا هذه، والحاميون .. استقروا في إفريقيّة!

مع أنه واضح وضوحاً كبيراً .. أن هناك فرقاً في لون البشرة، والملامح بين سكان هذه المنطقة، وبين سكان إفريقية، مما يُبعد احتمال أن يكون قد نشآ في موطن واحد.

أمّا الشيء الثالث .. فهو افتراضهم وجود (أمّ سامية) .. وهذا ثبت بطلانه، بما أسلفنا من الأدلة. وكما أن ساماً ابن نوح خرافة، لم يَرِدْ هذا الاسم إلا في التوراة غير الموثوقة – كما بيّنا- وإن الجنس السامي، والشعوب الساميّة واللغات الساميّة .. مصطلحات، تقوم على فرض لم يدعَمْهُ شيء لا من العلم، ولا من التاريخ، ولا من النقوش، ونتيجة لهذا .. فليست هذه إلا مصطلحات جوفاء .. لا حقيقة لها تستند عليها، فيجب اطراحها بلا تردّدٍ.

متى عُرِف هذا المصطلح؟

وضَحَ لنا – مما سبق – أن هذا المصطلح .. لا أصل له في القديم، لأنه لا حقيقة له ألْبَتّةَ. وأوّلُ من أطلق هذا المصطلح – على اعتباره فَرَضاً – عالم نمساوي اسمه "أوغست لوديك شلوتسر" عام 1781م، وقد أخذه من التوراة كما سلف القول – أو العجب من هذا الرجل – سواءٌ أكان يهوديّاً أم متصهيناً – أن يأخذ مصطلحاً من كتاب يعلم كلّ عالم منصف أن هذا الكتاب غيرُ موثوق – للأسباب التي أسلفنا ذكرها – فلا يجوز الاعتماد على ما ورد فيه، من "الأخبار" خاصة!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير