تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم .. العجب الأكبر من علماء الغرب المختصين بها الموضوع: فَرَضٌ أُطْلق .. ثم بعد البحث والتنقيب لم يوجد ولا دليل واحد يدعمه، لا من التاريخ، ولا من الحفريات – فكيف لم يعدلوا عنه ويطّرحوه، والعهد بالفروض التي لا تثبت بدليل أن يطّرحها العلماء؟ أم أنّ الحضارة الغربية التي تعُدّ حملَة العهد القديم جزءاً منهم .. لا تريد أن "تُزعل" اليهود، فكان أن أبقى العلماء المنحازون هذا المصطلح، برغم أنه تبين أنه خرافة لا أصل لها؟ تبين لهم – كما تبين لنا – لعدم وجود دليل عليه، ولو كان دليلاً واحداً.

ثم .. العجب الأدهى والأَمرُّ من المؤرخين العرب المعاصرين، واللغويين العرب المعاصرين – الذين انطلت عليهم هذه الخرافة، فأخذوا يُردِّدونها، كما تُرَدّد الببغاوات الأصوات، غير متنبّهين أن كلّ ما يقوله علماء الغرْب، حول أصل العرب ولغتهم، وديانتهم – يجب أن نبدأ النظر إليه "بالشك" حتى يثبت أنه صواب، لأن أحقاد الغرب على هذه المنطقة العربية موغلة في القِدَم، منذُ أنْ حاول الإسكندر المقدوني، قبل الميلاد، احتلال العربية السعيدة (أيْ: جزيرة العرب) ولم يستطع، مروراً بالحروب الصليبية، ثم الاستعمار الغربي، ثم .. هذا الاستعمار الاحتلالي الأمريكي الهمجي الغاشم، قال تعالى: "ولا ترْكنوا إلى الذين ظلموا، فتمسَّكُم النارُ" (هود: 113).

ولكن، ما الحيلة وقد كان مفكرو النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين منضبعين بما يأتي به علماء الغرب، فيظنونه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مع أن الحق أن علماء الغرب – مستشرقين وغير مستشرقين – منحازون إلى إسرائيل ومنحازون "ضِدَّ" هذه الأمة الإسلامية، جذوراً، وحاضراً، وتراثاً وفكراً.

من نحن إذن؟

إذا كان "سامٌ" لا أصل له، وكان اصطلاح الساميين – تبعاً لذلك – واللغات الساميّة .. لا أصل له – فمن نحن إذن؟

نحن .. عربٌ، منذ أقدم العصور. نشأنا في الجزيرة العربية، وخرجت موجات عربية كثيرة من الجزيرة العربية إلى أطرافها الشمالية والشرقية، بحثاً عن الخصب واعتدال المناخ. ومن هذه الموجات الأكّاديون في العراق، وكان منهم السومريون والبابليون والآشوريون. ثم الكنعانيون والآراميون والفينيقيون إلى بلاد الشام، ثم .. الموجات العربية، زمن الفتح الإسلامي.

أما الجدّ البعيد البعيد .. فلا يعلمه إلا الله. وما ذكره المؤرخون عن تسلسل البشرية من آدم – عليه السلام – إلى نوح – عليه السلام – ثم من نوح إلى اليوم .. ليس إلا رجماً بالغيب، ليس إلاّ "تخرصاً وأحاديثاً ملفقة" كما قال الشاعر العظيم أبو تمام.

ذلك .. لأن الأخبار عن نسل آدم إلى عدنان إنما قام على الروايات "الشفويّة" التي يعتورها النسيانُ، والكذب، والمزاج والهوى، وحبُّ الظهور بمظهر الذي هو بكل شيء عليم.

وما قيل عن خُرافة "الساميّة" وأباطيلها .. فاعلمْ أنها "فرضية" لم يؤيّدها ولا دليلٌ واحد، وما أبقى عليها إلا انحياز الغرب لإسرائيل، وتخطيطهم لمحو "الهُوِيّة" العربية، والإسلامية، لأنها .. هوية ذات حضارة – من أقدم العصور وإلى اليوم – تخالف حضارتهم، أما قال شاعرهم (كِبْلِنْ): (الشرقُ شرق، والغربُ غرب، ولن يلتقيا)؟، ثم "على الطرف الآخر" أما قال صادقاً شاعرنا (أحمد شوقي):

.. وللمستعمرين، وإن ألانوا ** قلوبٌ كالحجارة لا تَرِقُّ

فلنتناول كل ما يقوله الغربيون عنّا "بمنهج الشكّ" حتى لا نقبل إلا ما هو حق، وما أقلّ الحقّ عندهم، إذا تناولوا قضايانا، وديننا الحنيف.


الهوامش
[1] صبحي الصالح- دراسات في فقه اللغة-36، دمشق/ مطبعة جامعة دمشق - 1960م.
[2] هبّ أن .. ما ورد في المعاجم العربية هو تعدية (هبْ) بدون (أنّ)، أي: هب هذا القول، وقد خطّأ الرافعي .. طه حسين باستعماله (هبْ أنّ). بيدَ أني لا أرى ذلك خطأ، لأن (هبْ) تضمنت معنى (افرض)، وافرض تليها (أنّ). والكلمة إذا تضمنت معنى كلمة أخرى أخذت حكم هذه الأخرى، وهذا كثير في اللغة، فهو قانون لغويّ.
[3] البخاري .. محمد ابن إسماعيل –صحيحه- 2/ 953، اليمامة/ بيروت/ دار ابن كثير- 1407/ 1987.
[4] غير موثوقة .. شيء، وغير موثّقة شيء آخر، معبر موثوقة: لا يوثق بما ورد فيها، وغير موثقة: لم يُتّبعْ الأسلوب العلمي في روايات أخبارها.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير