تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما لاشك فيه أن الأسلوب الإلهي المتفرد الذي لمس الوجدان وحرّك المشاعر ففاضت له العيون واقشعرت الجلود – قد كان جماله الفني الرائع هو الذي استحوذ على نفوس العرب هذا الاستحواذ العظيم، ولما كان الأمر كذلك فإنه من الخطأ أن يتوهم أن الذي بهر هؤلاء العرب هو المعاني المجردة "الأفكار " وإنما انبهروا بالقرآن "نفسه" منذ اللحظة الأولى وفي وقت لم يكن التشريع المحكم ولا الأغراض الكبرى هي تسترعى إحساسهم وتستحق منهم الإعجاب؛ بل إن السحر الذي أحسوه إنما كان في صميم نسق القرآن نفسه وفي جماله الفني الباهر الذي لا يخفى.

وإذا كان المعنى هو الأصل الذي به يقوم الكلام؛ فإن للتعبير عن هذا المعنى طرق كثيرة متفاوتة الجمال والجودة، ولاشك أن الناظر في القرآن ليجد أن هذا المعنى المقصود قد جاء في قالب فني رائع، فجمع أهم خصائص العلم من جانب وأهم خصائص الأدب والفن والجمال من جانب آخر، وهذا العلم الملابس للجمال المعجز هو سمة مهمة من سمات القرآن، وليس إدراك هذين الأمرين عند تداخلهما بالأمر الهين بادي الرأي.

من يقوم بترجمة القرآن:

إذا كنا قد اتفقنا على ضرورة الترجمة والحاجة الماسة لها فمن يقوم بها؟

إن كل ترجمة لا يقوم بها مسلم هي ترجمة فيها خلل؛ وذلك لأن المترجم غير المسلم – وإن كان يجيد العربية فرضا - إما أن تكون له أهدافه في محاربة القرآن وتشويه صورته وإما أن يكون غير عالم بفهم المسلمين لدقائق الأمور، وفاقد الشيء لا يعطيه، ولهذا فإن الجهد الذي يقوم به مجمع الملك فهد وغيره في ذلك جهد مقدر وعظيم.

أهداف ترجمة القرآن عند الغربيين:

بدأت هذه الترجمة في الغرب منذ وقت مبكر لكنها اشتدت منذ الحروب الصليبية حيث أنشئت مراكز الدراسات الاستشراقية المختلفة في أوروبا بإذن من البابوات، وبتنسيق المجالس الكنسية. وكانت القضية الرئيسة آنذاك هي الصراع الفكري الديني بينهم وبين المسلمين وتشويه صورة الإسلام في أذهان الغربيين حتى لا يتحولوا إليه.

والشعوب الغربية المغرر بها ـ بطبيعة الحال ـ لا تعرف العربية ولا الإسلام من مصادره النقية، ولكنهم يتلقون الصورة من خلال المؤلفات الاستشراقية ويذكر هوبرت هيركومر إن معرفة الغربيين بالقرآن كانت محدودة جداً وما زالت، وقد بلغ من عدم معرفة هولاء الغربيين قديماً بالإسلام أن الصليبيين - جنوداً وضباطاً - قد رفضوا الاعتراف بحقيقة أنهم يواجهون ديانة تؤمن بالله واحترام المسيح عليه السلام والإقرار بنبوته.

وقد قام الغربيون بترجمات كثيرة لمعاني القرآن الكريم؛ وهي تزيد على خمس وسبعين ترجمة وهذه الترجمات إنما تنقل وجهة نظرهم سواء الحقيقية أو المصطنعة دون النظر إلى الحقيقة في نفسها، وقد كان الغرب في أول أمره يخشى من ترجمة القرآن حتى لا يتعرف عليه الناس؛ فجاء مارتن لوثر الذي رأى ضرورة ترجمة القرآن ولكن من وجهة نظرهم هم؛ فنشر أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن، وكان لوثر يرى في هذه الترجمة وسيلة مثالية لرفع روح المنصرين المعنوية، حيث أعلن قائلاً: "بعد ظهور المسلمين على حقيقتهم، أرى أن القساوسة عليهم أن يخطبوا الآن أمام الشعب عن فظائع محمد حتى يزداد المسيحيون عداوة له، ويزداد إيمانهم بالمسيحية، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب، ويضحوا بأموالهم وأنفسهم " ومنذ ذلك الوقت أصبح الغرب لا يمانع في ترجمة القرآن إلى لغاته مستغلاً هذه الترجمة في توجيه المزيد من الطعنات؛ يقول المستشرق ريجيس بلاشير: " كانت الحاجة إلى الترجمة هي محو أثر الإسلام من النفوس والتزهيد فيه "

وقد وضع هولاء بين يدي ترجماتهم تشويهات منهجية تهئ القارئ للنظر من وجهتهم دون وجهة سواها كأن يذكروا أن القرآن عقبة في وجه التقدم، أو أنه لا يتماشى مع طبيعة العقل والعمران البشري أو أنه هرطقة ومجموعة من التخيلات والتصورات جاء بها نبي مزيف قرأ التوراة والإنجيل والمزامير ونحو ذلك؛ يقول جورج سيل في مقدمة الترجمة الإنكليزية لمعاني القرآن الكريم سنة 1736 م وهي من أقدم الترجمات: " أما أن محمداً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيس له فأمر لا يقبل الجدل، وإن كان من المرجح مع ذلك أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن معاونة يسيرة، وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير