تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بذلك".

وقد نجح الاستشراق بالفعل في تقديم مادة معرفية مزورة ومشوهة عن القرآن الكريم، ولا يمكن أن يعرف تشويهها بالطبع وخطرها إلا من أوتي معرفة بالأصول الصحيحة للقرآن، هذا فضلاً عن صعوبة الترجمة نفسها؛ إذ أن ترجمة معاني القرآن الكريم أصعب الترجمات على الإطلاق؛ إذ أن ترجمة معنى من معانيه ينقله من النص القرآني الإلهي المحكم البليغ إلى أي نص في لغة أجنبية؛ فيهتز عندئذ المعنى الرائع ويفقد التركيب البلاغي جمالياته ورونقه ودقته، ومعلوم أن اللغات لا تتقابل تمام المقابلة في معاني مفرداتها كما أن قواعد اللغات أيضاً تتباين، ومعلوم أن القرآن قد جاء بأوفر المعاني وأوجز الألفاظ، ومعلوم أيضاً أن الترجمة نوع من التفسير أو أن التفسير ومعرفة المعنى هي الخطوة الأولى قبل النقل إلى اللغة الأخرى، ولا شك أن التفسير يحتاج لقدرات خاصة، إلا أن هذه الترجمات التي قام بها الغربيون قد كانت فيها أخطاء منهجية مقصودة وكذلك أخطاء كان مردها إلى عدم المعرفة الدقيقة بالعربية.

وفي القرن العشرين دخلت دراسة الإسلام في الغرب مرحلة أخرى، وفي هذه المرحلة خلت مؤلفات المستشرقين من السب والشتم المباشر، لأنه طريقة مكشوفة لا تقنع أحداً في هذا العصر الذي أتيحت فيه المعارف بصورة لم تتح من قبل؛ ولذلك عاب المستشرقون المتأخرون على المتقدمين أنهم أساءوا جداً، وقد صدرت وثيقة عن سكرتاريا الفاتيكان لشؤون غير المسيحيين عام 1970م تطالب بمراجعة مواقف المسيحيين إزاء الإسلام ونقد أحكامهم السابقة؛ وتقول الوثيقة: «علينا أن نهتمّ أولاً بأن نغيّر تدريجياً من عقلية إخواننا المسيحيين ويجب التخلي عن الصورة البالية التي ورّثنا الماضي إياها أو شوهتها الفريات والأحكام المسبقة"ورغم هذا الكلام الطيب إلا أن هذه المرحلة كانت أخطر بكثير؛ إذ مال المتأخرون إلى صناعة الشبهات ومحاولة إتقانها مع ادعاء الموضوعية والحياد وبذلوا في ذلك جهوداً جبارة. ومهما اختلفت الصورة فإن القضية الأساسية التي لا يمكن تجاوزها هي أن جميع المستشرقين - متسامحهم ومتعصبهم - يتأثرون بوسطهم الثقافي المعادي للإسلام اللهم إلا من أسلم منهم أو من أحس بوخز الضمير فأنصف، ولكن هؤلاء المنصفون والمؤمنون قلة أمام الكثرة الكاثرة التي استمرت تصور الرسالة الإسلامية على أنها هرطقة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن نبياً موحى إليه

ورغم قناعة المستشرقين العميقة بتفوق الإسلام، إلا أنهم يبذلون كل جهدهم لمحاربته وتشويه صورته كما فعل حيي بن أخطب اليهودي الذي سئل عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو هو؟ أي أهو النبي الذي كنتم تنتظرونه؟ قال نعم والله، قيل تعرفه بنعته وصفته؟ قال نعم والله؟ قيل فماذا في نفسك منه" قال عداوته والله ما بقيت"والحق أن القرآن لمن عرفه قوي الحجة عظيم الإقناع ظاهر التميز، ولكن الجاحدين يعرفون ذلك في أنفسهم وعقولهم وينكرونه؛ ولذلك قال تعالى الذي يعلم ما في الضمائر لرسوله صلى الله عليه وسلم: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ " والمعنى إنهم لا يتهمونك بالكذب في نفس هذا الأمر ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بعد أن اسيقنته أنفسهم.

ولأجل ذلك شنّوا حملات شرسة جداً لتشويه صورة القرآن وإثارة الشبهات حوله والزعم بأنه ملي بالأخطاء والأغلاط ( False Religion) وليس متفوقاً على التوراة والإنجيل كما يقول المسلمون، وما ذاك إلا لأنهم يعتبرون الإسلام هو الدين الوحيد الذي يشكل خطراً عليهم؛ إذ أن البوذية والهندوسية ديانات قومية لا تتمدد خارج أقوامها من ناحية وهي أقل رقياً من النصرانية من ناحية أخرى. أما الإسلام فهو دين متحرك زاحف دون قوة تسانده، ومن هنا فقد عملوا على تشويه صورته خوفاً على أهل الملة النصرانية نفسها؛ يقول مستر بلس: (إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق النصرانية)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير