وقد قرأت ما كتبته مرات، ورجعت بي الذاكرة إلى كتابات كثيرة أضعت الكثير من الوقت في محاولة فهمها ولكن دون جدوى، مما جعلني أشعر - مع كثرة إعجاب النقاد الحداثيين بها، وثنائهم عليها - بشعور الحاجب ومن بعده، كيف أبدي عدم فهمي لما يكتبه هؤلاء فأفتضح؟! والأمر في حقيقته لا يزيد على ما ذكرته في مقالتك، فزدنا علماً حول هذا الأمر، فهو في حاجة إلى كتابات طويلة مؤصلة على غرار ما كتبته وما تكتبته في غير هذه المشاركة في الملتقى العلمي للتفسير أعانك الله وسددك، وثق أننا لا نقرأ ما تكتبته إلا ونحن متحفزين متمعنين فيما تكتبه.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[08 Dec 2005, 11:30 م]ـ
2 - ورطة مدرس أدب حديث ولا تلميذ لها.
الحداثي طفل صغير تعجبه الفرقعات وتلؤلؤ الأشياء –حتى لو أحرقته! - خاصة الألفاظ والمصطلحات ... وعنده شغف شديد بالكلمات التي تنتهي ب"لوجيا" ..... ولا يجد لذته إلا في لوك الكلمات ذات الرطانة الأجنبية ..... فهو قلما يقول مثلا "من وجه نفسي واجتماعي وحضاري" بل يفضل أن يتفيهق على نحو:"على المستوى السايكولوجي والسوسيولوجي والانتربولوجي"ثم ينظر وقع الكلمات على مخاطبيه بزهو واضح كالطاووس .... أما مخاطبوه فلا يملكون إلا أن يشهدوا له بالعلم والتعمق فيه بسبب تأثير "مكيدة الخياط".ولنا وقفة مع درس سوكال بعد حين.
المدرس المتورط الذي أريد أن أتحدث عنه هنا ليس أحدا غيري!!!
فمن المحاور التي ينبغي أن نلقنها للتلاميذ محور المناهج النقدية ومن ضمنها بطبيعة الحال آخر العنقود: التفكيك واستراتيجية القراءات. (تخيلوا وقع كلمة استراتيجية على التلميذ المغفل وهرولته إلى استعمالها في أقرب مناسبة!!)
ومن المفروض علي –باعتباري مدرسا-أن أتحدث عن التفكيك بتمجيد شديد (حسب ما خطوا في الكتاب المقرر) ومن المفروض أن أحدثهم عن النص المفتوح وتعدد القراءات وتكوثر المداخل .... وعلي أن أشرح لهم إجمالا نظرية اليهودي الهالك "دريدا" التي تنص على أن كل قراءة لا تكون إلا خاطئة ..... وأن النص لا وجود له إلا في القراءة .. فأضرب لهم مثلا قائلا: هذه القصيدة واحدة وأنتم ثلاثون .... وكل واحد منكم سيقرأ القصيدة ويؤولها كما يشاء .... فتكون الحصيلة ثلاثين قراءة أي ثلاثين قصيدة ... وفي الحصة القادمة سيصبح العدد ستين ...... وهلم جرا.
لكن خاطرا يؤرقني دائما فأحمد الله ان التلاميذ لا يخطر ببالهم-إلى حد الساعة على الأقل- ماذا لو قدمت للتلاميذ في الامتحان قصيدة للمتنبي في مدح صاحبه سيف الدولة ثم خطر للتلاميذ أن يكونوا "تفكيكيين" في إجاباتهم:
-ماذا لو كتب تلميذ: "هذا هجاء مقذع مؤولا كل كلام المتنبي على قاعدة الاستعارة التهكمية .... "!! هذه قراءته.
-ماذا لو كتب زميله:"هذا غزل رقيق .... فالمتنبي أسقط على سيف الدولة صورة الأنثى التي لم يجدها في الواقع!! هذه قراءته.
-ماذا لو كتب ثالث:"هذه قصيدة في الفخر.فالثنائية متوهمة فقط وليس "سيف الدولة "في القصيدة إلا الأنا الأخرى – alter-ego- للمتنبي ... والحوار المتوهم ليس إلا مونولوجا داخليا. (لاحظوا إرهاب الكلمات) هذه قراءته.
-ماذا لو قدم الرابع الورقة بيضاء .... هذه قراءته.
كيف يمكن للحداثي أن يصحح كل هذا دون أن يتورط تورطا قبيحا جدا:
-فإن وبخ التلاميذ وحاكمهم إلى معيار ما ... فقد ناقض نفسه وكذبها وللتلاميذ أن يقولوا له .... كيف توبخنا وأنت أمليت علينا بالأمس أن كل القراءات مشروعة؟
-وإن سار مع منطق التفكيك فهي الفوضى لا محالة ..... وحتى الورقة البيضاء ينبغي ان تعطى لها نقطة جيدة .... لأن المدرس سيقرأها على النحو التالي: سكوت التلميذ تعبير استفزازي حداثي عن الثورة على كل نص تراثي ورفض لكل اسقاطات عصرية على شاعرية المتنبي".
الحداثة نسيج عنكبوت ..... بوسع أي تلميذ أن يبطلها ويضع أستاذه الحداثي في حيص بيص.
يتبع .......
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[09 Dec 2005, 07:42 م]ـ
أبا عبد المعز: اتحفنا بفرائدك وفقك الله , وأنا عن نفسي آخذ نفساً عميقاً عند قراءة مقالاتك , بل بعضها أكررها لما تحمله من قوة , وكما قال أخي د. عبد الرحمن إن عدم الرد ليس دليلاً على عدم التفاعل , فسر وفقك الله في فضحهم , فما أحوجنا إلى ذلك.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[09 Dec 2005, 09:20 م]ـ
لقد حاول هذا الكيد خلقٌ في القديم .. ثم تبعهم قوم في الحديث ..
فأما الصدر الأول منهم، فنُكصوا على أعقابهم خائبين، وكُبّوا لوجوههم خاسرين ..
وأما الجماعة الثانية الحديثة فقد أسررت الحَسْوَ في الارتغاء واستقت بلا دلو ولا رِشاء، ودلّت على فسولة أصحابها وضعف منّتهم ..
والله لا يُغالَب، بل هو غالب على أمره فعّال لِما يريد ..
وما هذه "القراءة" الحديثة إلا كالرسم الحديث ..
إذ هما عبدان للأسلوب ..
فذاك يحتال على الإحساس بالكلمة ..
وهذا يحتال عليه باللون ..
والأشدّ احتيالاً الإدعاء بالتجدّد ..
وبارك الله فيكم وجوزيتم كل خير ..
وبانتظار المزيد من هذه الطرف والنفائس ..
¥