-تذكروا انكم تقرؤون في معجم.
-لو كان "سوكال" مسلما لترحمت عليه حيا وميتا.
د. ميجان الرويلي ............ د. سعد البازعي.
دليل الناقد الأدبي.
إضاءة لأكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا.
المركز الثقافي العربي.
الطبعة الثالثة.
2002
عدد الصفحات464
القياس:17*24
جميع الحقوق محفوظة.
الناشر المركز الثقافي العربي.
الدار البيضاء-المغرب
.. إن دريدا يشير إلى الأثر في تعريف للاخـ (ت) ـلاف ويزعم أنه يجعل حركة الدلالة ممكنة بشرط أن يرتبط كل "حاضر" أو ظاهر بشيء آخر غير نفسه ويحتفظ بعلامة عنصر ماض تميز "حضوره", كما يهيء نفسه "بتجويف" (أي أثر) محدد يكون علامة علاقته بعنصر المستقبل. إن هذا الأثر (التجويف) لا يرتبط بدرجة أقل بما يسمى المستقبل وبدرجة أكبر بما هو ماض , وإنما هو أثر يؤسس ما يسمى الحاضر في ذات هذه العلاقة , لا وجود للحاضر ولا للماضي ولا للمستقبل. فالأثر جزء لا يتجزأ من العلاقة , والعلاقة ذاتها أساس الماضي والحاضر والمستقبل , أساس الزمن ومفهومه.
ونتيجة لهذه العلاقة المنفصمة التي بدونها لا يمكن للحضور أن يتشكل , يكون الحضور دائما متأخرا عن نفسه ويأتي دائما كنتيجة للماضي المطلق الذي يؤسس إمكانية الحضور. و الاخـ (ت) ـلاف كحركة الزمانية هذه يقتضي أن تكون هذه الزمانية خارج مفهوم الزمن , لكنها أيضا هي أساس الزمن وبالتالي على علاقة معه , تحتفظ من خلال هذه العلاقة بعلامة العلاقة في داخلها. لكن كون هذا الماضي الزماني المطلق خارج الزمن فإن الاخـ (ت) ـلاف كزمانية يشير أيضا إلى مكانية أو فضائية , مساحة فاصلة, وكذلك يصبح الاخـ (ت) ـلاف هو أيضا أساس المكانية.
ثانيا: إن حركة الاخـ (ت) ـلاف (كمنتج لأشياء مختلفة تتصف بكونها حركة التمايز والتباين) هي الجذر المألوف لكل المفاهيم المتضادة التي تسم كل لغة. ودريدا هنا يعتمد على الفعل اللاتيني الذي يعنى (الاختلاف) وبذلك يكون الاخـ (ت) ـلاف هو نفسه سبب التمايز. لكن دريدا لا يقف هنا , بل يحيل أيضا إلى إيحاءات الاختلاف نفسه التي تنجم عن التضاد. بما أن إنتاج هذا التمايز والاختلاف ينجم عن "بينية" مكانية تقابلية بين المتضادات (بينية هي نفسها جاءت نتيجة مكانية المتضادات ورصفها جنبا لجنب) فلا بد من وجود صدع يفصل بينها اعتمادا على عدم التشابه أو النفور [الحساسية] بين الأقطاب والمصطلحات أو المفاهيم (إن احدى دلالات الاختلاف هي الجدل أو المنازعة أو اختلاف الرأي). ولهذا فإن الاخـ (ت) ـلاف هنا يتحدد على أنه توزيع مكاني , ولا بد له من إبراز المساحة والفسحة التي تفصل المتضادات. إن المكانية, مثلها مثل مفاهيم التقويض الأخرى (الأثر الأصل مثلا) , لا هي زمان ولا هي مكان, لكنها هي التي تعطي المكان إمكانية وجوده. فالاخـ (ت) ـلاف (كموجد للفراغ المكاني بين الضدين) هو افتراض مسبق, وعليه يعتمد وجود الفراغات بين المفاهيم والآراء والمصطلحات وما شابه ذلك. وهنا لا يختلف مفهوم الأثر الأصل عن مفهوم الاخـ (ت) ـلاف: فالمكانية من منظور الأثر الأصل هي الصدع الذي يحدد الخارجية عموما, الخارجية التي لا تسمح لأي وجود أن يحتفظ بمكان مفصول ومعزول عن غيره. وبما أن المكانية هي الإمكانية التي يقتضيها أي كائن فإن هذه المكانية لا بد أن تكون جوهرية فيه وجزءا من هويته. لكن المكانية تبقى ليست زمانا ولا مكانا , وإنما خارج مطلق يحدد هوية الوجود. ومن هنا يرى دريدا أن أي "خارج" لا بد أن يقطن ويحتل الداخلي حتى يتسنى لما هو داخل أن يكون (أو حتى أن يتسنى لأي شيء أن يوجد ويحل في موقع مكانى).
أما من منظور الاخـ (ت) ـلاف , فإن المكانية هي عنف الانفجار والانفصام التي من خلالها يتأتى للمفاهيم والمصطلحات ضمن البينية المتضادة أن تنفصل عن بعضها وتتقابل حتى يتسنى لعملية الدلالة أن تتم.ولذلك فإن هذه "المكانية" هي في آن إنتاجية أو محصلة (سلبية وايجابية معا) الفواصل والقواطع الفراغية التي بدونها لا يمكن أبدا للمفردات والمصطلحات أن تؤدي عملية الدلالة ووظيفتها.أما أهمية الفواصل والقواطع فتكمن في أنها تسمح للعناصر المتضادة الدخول في علاقة معينة دون أن تسمح لها بالتوافق أو التطابق التام. إن المكانية تهيء ظهور المفاهيم , لكن المفاهيم نفسها –وهي تعتمد في وجودها على المكانية—لا بد أن تكون قد وسمت مسبقا بعلاقتها مع
¥