تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلمانيون - كما مر بنا سابقاً - يستدلون على علمانية الإسلام بدنيويته، وبما حصل في التاريخ الإسلامي من ترف وبذخ وإقبال على الدنيا، فهم بذلك يقرون بأن الدنيوية هي جوهر العلمانية، وقد مر معنا كذلك كيف تؤكد دوائر المعارف والمعاجم الغربية على دنيوية العلمانية بما يغني عن الإعادة هنا.

لقد أشرنا - سابقاً - إلى أن الدنيوية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ والحضارات، وأن أكثر الأمم اختارت الحياة الدنيا على الآخرة، ذلك لأن الحياة الدنيا حلوة خضرة وقريبة، أما الآخرة فهي في منظور الإنسان العجول بعيدة غير مغرية كما تفعل الحياة الدنيا "متاع الغرور ".


سؤال:
وما تعقيبك على ذلك؟

إن الدنيوية تتحول إلى علمانية عندما تتحول الوسيلة إلى غاية، والممر إلى مقر، وقد يعترض علينا هنا بأننا نتحدث بلهجة صوفية وعظية، ولكن هذه هي الحقيقة سواء كانت في قالب صوفي وعظي أم حداثي معاصر؟
عمارة الدنيا مرادة إلى أقصى الحدود، ولكن على أن لا يؤدي ذلك إلى الفساد في الأرض، كما يجب مراعاة أن الإنسان مؤتمن وليس مالكاً حقيقياً، وأنه رضي بحمل الأمانة، وكل ما يؤدي إلى الإخلال بحفظ الأمانة " الكون والطبيعة والإنسان ورسالته فيهما " فإنه انقلاب إلى دنيوية عضوض أي علمانية.
الإنسان مُستَخلَف في الأرض، وهذا يعني أنه لا يملك أن يضع لنفسه منهجاً في الحياة باستقلالية كاملة، لأن المنهج وضعه المالك الحقيقي، والسيد الحقيقي في هذا الوجود، أما وظيفته هو فإنها تنحصر في أن يفهم المنهج بشكل صحيح وينزله على حياته كما أراد واضعه عز وجل. والفهم غير الوضع والإنشاء وإن كان الخطاب العلماني سينازع في هذا كما سنرى.
إن أي إنسان عاقل عندما يشتري جهازاً من شركة ما يقرأ النشرة المرفقة معه والتي تُبيِّن كيفية استعماله، وقراءة هذه النشرة توفر عليه جهداً ووقتاً يبذله في محاولته تشغيل الجهاز دون استعانة بالصانع. إن جهده المستقل قد ينتهي بالوصول إلى معرفة تشغيل الجهاز ولكن بعد جهد ووقت من التجريب والمحاولة، ولكنه قد ينتهي أيضاً بإتلاف الجهاز وإعطابه.
إن كل ممارسات الإنسان في هذا الكون لكي تبرأ من " الدنيوية العلمانية " يجب عليها أن تكون قائمة على مبدأ العبودية لله عز وجل، والرغبة فيما عنده من الخير والسعادة، ومنافية لمبدأي الكبرياء الزائف، والعقلانية المتهورة القائمين على الاعتداد الأعمى بالذات والمنفعة العاجلة، واللذة الزائلة، والنظرة القاصرة على هذه الحياة الدنيا.
إن الاحتراز الوحيد الذي نضعه هنا لعله يجنبنا كثيراً من الانتقادات والإلزامات التي قد ترد علينا إزاء هذا التعريف هو أن العلمانية " الدنيوية " التي نقصدها تزيد وتنقص، وتهبط وتصعد، وأننا عندما نتحدث عن العلمانية التي تقارن الإلحاد والزندقة فإننا نقصد العلمانية في أعلى درجاتها. إن هذا يعني أن بعض الباحثين الحريصين على إسلامهم وإيمانهم ولكن تصدر منهم بعض الأفكار التي تخدم التوجه الدنيوي العلماني، وتتحرك في داخل أسواره لا يمكن أن يوصفوا بأنهم علمانيين، وإن كان يصح أن نصف أفكارهم المنحرفة بأنها أفكار علمانية. والله أعلم.

يتبع ..
علاقة العَلمانية بالعِلمانية.

ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[22 Dec 2005, 08:07 م]ـ
سؤال:
هل العلمانية من العِلم (العِلمانية)، أم من العالَم (العَلمانية)؟

من خلال القراءة للمصطلح في المصادر الأجنبية من معاجم ودوائر للمعارف، وتعريفات للباحثين الغربيين يمكننا أن نؤكد أن العَلمانية - بفتح العين - هي الترجمة الصحيحة على غير قياس لكلمة secularism الإنجليزية أو secularit الفرنسية، وهاتان الكلمتان لا صلة لهما بلفظ العلم ومشتقاته، فالعلم في الإنجليزية والفرنسية يعبر عنه بكلمة science والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة scientism والنسبة إلى العلم هي scientific أو scientifique في الفرنسية والترجمة الدقيقة للكلمة هي " العالمانية " أو " الدنيوية " أو " اللادينية "، ولكن تحولت كلمة عالمانية إلى عَلمانية لأن العربية تكره تتابع الحركات وتلجأ إلى التخفف منه.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير