تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكذلك فإن زيادة الألف والنون هنا ليست قياسية في اللغة العربية أي في الاسم المنسوب " عالماني "، وإنما جاءت سماعاً مثل: رباني، نفساني، روحاني، عقلاني، ومثلها علماني، واللغة العربية تقبل إضافة الألف والنون لاحقة لبعض الكلمات، والترجمة الحرفية في قاموس اللغة للعلمانية هي " الدنيوية " لأنها مشتقة من العالَم أي " الدنيا ".

ومن هنا فإن العلماني هو الدنيوي لأنه يهتم بالدنيا، بخلاف الديني أو الكهنوتي فهذا الأخير يهتم بالآخرة. وأول معجم عربي يورد الكلمة هو المعجم الوسيط، وقد جاءت فيه بهذا المعنى في طبعتيه الأوليين.

وأول معجم ثنائي اللغة قدم ترجمة صحيحة للكلمة هو قاموس " عربي فرنسي " أنجزه لويس بقطر المصري عام 1828 م وهو من الجيل الذي ينتمي للحملة الفرنسية، وقد كان متعاوناً مع الفرنسيين ورحل معهم إلى باريس وعاش هناك وكانت ترجمته لكلمة: = cecularite عالماني و = ceculier علماني، عالماني، وميزة هذه الترجمة أنها أول وأقدم ترجمة صحيحة للكلمة تدحض آراء الذين يعتبرون العَلمانية في أصلها من العِلم، لأنه نسبها إلى العالَم. وكما أن الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للدلالة على المبالغة الشديدة في التخلق بصفات الرب عز وجل والعبودية له، وللدلالة على كمال الصفة أو بلوغها حداً قريباً من الكمال قالوا في كثير الشعر: شعراني. وغليظ الرقبة: رقباني. وطويل اللحية أو كثيفها: لحياني، كذلك فإن العَلماني منسوبٌ إلى العالَم - بهذا الشكل - للدلالة على المبالغة في الانتماء إلى العالم والإيمان به.

ومما يؤكد انقطاع الصلة بين العَلمانية والعلم البحث القيم الذي تقدم به د. عدنان الخطيب حول تاريخ الكلمة الذي أرجعه إلى قرون عديدة، وتاريخ دخولها إلى اللغة العربية، وقد استند في بحثه على مراجعة مصادر الكلمة في اللغات القديمة كالآرامية والسريانية، وصلة الكلمة بالعلاقة بين رجال الكنيسة وعامة الناس، حيث إن رجال الكنيسة ليسو عَلمانيين، لأنهم يهتمون بالآخرة فقط، أما بقية الناس والشعب فهم: " دنيويون، دهريون، زمنيون، قرنيون، عالميون "، وهذه التفرقة انتقلت إلى اللغة العربية - بنظره - عندما تغلبت هذه على الآرامية بعد الفتح الإسلامي عن طريق ترجمات علماء السريان.

وعندما استقل التعليم عن الكنيسة في فرنسا بعد الثورة وُصِف هذا التعليم بأنه ceculaire ودلالتها هي نفس الدلالات القديمة التي يوصف بها من هو خارج الكنيسة من عامة الشعب، فكل واحدة من الكلمات السابقة " دنيوي، زمني، دهري… " تصلح مقابلاً للكلمة الفرنسية seculaire إلا العِلم فلا يدخل في مدلولاتها مطلقاً.


سؤال:

هل ترى مبرراً للتحذير من الخلط بين العَلمانية والعِلمانية؟

السبب – بنظري – للخلط، هو الخلاف بين الباحثين في نسبة الكلمة، ومنشأ ذلك عامِلَين:
الأول: التقارب في الألفاظ بين العَلمانية – بالفتح -والعِلمانية – بالكسر - قائم في اللغة العربية مما أوقع بعض المعاجم والباحثين في اللبس وشاع ذلك قبل أن يتبين الباحثون الخطأ من الصواب.
الثاني: أن العَلمانية – بالفتح - والعِلمانية – بالكسر – ظاهرتان بارزتان في الفكر الغربي، وإحداهما تكمل الأخرى، ومع أننا نرى أن العَلمانية – بالفتح - ظاهرة قديمة وممتدة في عمق التاريخ، وتغلغلت في كافة الحضارات، إلا أنها في العصر الحديث وفي أوربا بالذات تفاقمت بشكل لم يسبق له مثيل، وشد أزرها في ذلك العِلمانية – بالكسر – أي تطور العلم وارتفاع مستوى السيطرة الإنسانية على الطبيعة، نتيجة للكشوفات العلمية المتلاحقة التي غيرت نظرة الإنسان إلى الكون، فولّد هذا العلم أو العِلمانية – بالكسر – الغرور الشديد بالذات الإنسانية، والاعتداد المفرط بقدرة الإنسان وعقله، ونتج عن ذلك العَلمانية – بالفتح - أي الدنيوية والتطلع إلى هذا العالم القريب المحسوس المشاهد، وانعدام أي أمل في عالم آخر غيبي مفارق.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير