تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هنا فالرسالة الإسلامية تسير على جناحين هما الاشتراكية والديمقراطية. والزكاة ذات المقادير هي خطوة أولى باتجاه الاشتراكية المطلقة، والغرض منها إعداد الناس نفسياً ومادياً ليطيقوا الاشتراكية، فإذا تم عهد الاشتراكية ثم الشيوعية، وتم محو الطبقات والفوارق فإننا نصل عندئذ إلى شريعة الأمة المسلمة التي لم تأت بعد، وسيكون ذلك أرقى ما يمكن أن تصل إليه المدنية في جميع العصور، وهو ما لن يحصل في المستقبل إلا بالجهد الشاق والتربية المضنية.

لقد كان الإسلام في أساسه - بمنظور الخطاب العلماني الماركسي - ثورة لإعادة بناء شخصية الفرد العربي وإعادة تخطيط المجتمع العربي.

ولتأمين الثورة ضد المؤامرات الرجعية الوثنية انتقل مركز الثورة ومقر قيادتها من مكة إلى المدينة. وكان عمر القائد التالي للثورة مناضلاً قديماً انضم إلى الثورة أيام الهجرة الأولى إلى الحبشة. أما إسلام أبي بكر وغيره من التجار الوسطيين فلأنهم قرأوا الواقع قراءة صحيحة ورأوا أن سير خط التطور يسير إلى وحدة العرب.

بل إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في منظور هذا الخطاب كان أحد الحنفاء الثوار الذين ثاروا على الطبقات الثرية بسبب حالة الإعدام والفقر التي كان يعيشها ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل نبوته.

وكان الواقع الاجتماعي والثقافي للعرب يفترض ويتحرك باتجاه الوحدة، فكانت النبوة وسيلة لتحقيق ذلك، لأن العرب لا تقودهم إلا النبوة بسبب أنفتهم وغلظتهم. فالنبوة على ذلك كانت إفرازاً ثقافياً واجتماعياً اقتضاه التطور العربي آنذاك وخطط له أقارب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث "" لم يجد الآخرون [يقصد أقارب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ] سوى الاهتداء إلى‍ أنه لا حل سوى أ‍ن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبياً مثل داوود "". فكان ذلك عندما أعلن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه ‍النبي ‍المنتظر‍‍،وأخذ ينادي طيف جده: أي جدي ها آنذا أحقق حلمك.

لقد كان الواقع إذن مهيأ لخروج نبي، وكانت الظروف تحتم وتفرض ظهور مصلح في الجزيرة العربية فكان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الذي هيأته الأسباب لذلك، هذه هي القراءة الماركسية للواقع الاجتماعي الذي كان يسير حتماً باتجاه إفراز تغيير جديد في حياة العرب. وهكذا تقرر الماركسية "" إن مسألة ظهور فرد معين لا أي فرد آخر في عصر محدد، بل في بلد محدد هي بالطبع مسألة متعلقة بالصدفة الخالصة، ولكننا إذا ما حذفناه سوف يكون دوماً بحاجة إلى بديل، وهذا البديل سيوجد بهذه الصورة أو تلك، سيوجد حتماً مع مر الزمن فلو لم يوجد نابليون هذا لقام غيره بمهمته "".

وهكذا – وطبقاً للتحليل الماركسي - تُفسَّر أيضاً قداسة الكعبة المشرفة فهي واحدة من جملة كعبات كانت منتشرة في الجزيرة العربية، وتَميُّزها عن غيرها كان بسبب تحول الطرق التجارية إليها، وقبول مكة لوضع أرباب الآلهة الأخرى في الكعبة مما أدى إلى سيادتها واستئثارها فيما بعد بالقداسة. فالقضية إذن ليست أكثر من انعكاس اقتصادي، أليس ماركس هو الذي يقرر أنه "" مع تغير الأساس الاقتصادي يحدث انقلاب في كل البناء الفوقي "". وأنه "" لا يجب البحث عن مفتاح التاريخ في أدمغة الناس وآرائهم وأفكارهم، بل في علاقات الإنتاج والقوانين الاقتصادية والموضوعية التي تعمل مستقلة عن إرادة الناس "".

وهكذا يتوالى الإسقاط الماركسي على الإسلام فلأن "" الآفاق المعرفية للجماعة التاريخية هي آفاق تحكمها طبيعة البنى الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجماعة ""، فإن تحريم القتال في الأشهر الحرم كان من أجل الحفاظ على وسائل الإنتاج الاقتصادي من الدمار الكامل. والبحث عن دين إبراهيم عليه السلام كان بحثاً عن الهوية الخاصة للعرب الذين يتهددهم الخطر الاقتصادي النابع من ضيق الموارد الاقتصادية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير