تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه هي الرؤية الماركسية الجدلية التي يراد لها أن تحكم الوجود بكل ذراته، وتفسر كل أسراره فـ "" الطبيعة بحذافيرها من الجزئيات الدقيقة إلى الأجسام الضخمة، ومن حبة الرمل إلى الشمس أو من الخلية الأولى إلى الإنسان، كلها رهينة بدوام الظهور والاختفاء، هي في جريان لا ينقطع، وفي حركة وتبدل دائمين "". وهكذا يتم تفسير الوحي.


سؤال:
لنعد إلى الجذور التاريخية لنظرية الأنسنة؟

كان بروتاغوراس قد اعتبر الإنسان مقياساً لجميع الأشياء، فتصدى له سقراط ثم تلاميذه من بعده حتى أُجهضت السفسطة البروتاغوراسية، وفي عهد شيشرون عرف اليونان فكرة التعليم المتوازن الذي يتناول مختلف المعارف الإنسانية وكانت الكلمة التي اختارها شيشرون للتعبير عن هذه الفكرة هي HUMANITAS وفي عصر النهضة أصبح المصطلح الخاص بالمواد المدروسة في مجال اللغات والآداب الكلاسيكية هو STU DIA HUMANITIS التي تترجم " الإنسانيات HUMANITIEST.
وكانت الدراسات الإنسانية في القرن الخامس عشر تشير إلى دراسة القواعد اللغوية والبلاغة والتاريخ والآداب، والفلسفة الأخلاقية، وكانت تتكون من قراءة النصوص اللاتينية الخاصة بالعصر الكلاسيكي ما قبل المسيحي، أما كلمة هيومانزم فلم تكن معروفة لا للقدماء، ولا لعصر النهضة، وإنما صاغها في سنة 1808 م المفكر التربوي الألماني " نيثامر " أثناء مجادلة حول مكانة الدراسات الكلاسيكية في التعليم الثانوي، أما من طبقها في عصر النهضة فقد كانا المؤرخين " بروكهارت " و" نويجت " في كتاب " إحياء الكلاسيكيات القديمة أو القرن الأول للهيومانزم " سنة 1859 م.
إلا أن اسم الإنسانيين أو أصحاب النزعة الإنسانية قد كان يطلق قبل ذلك على المفكرين الذين اهتموا بالإنسان في عصر النهضة وهم الذين " آمنوا بأن الإنسان معيار كل شيء، وأن كل إنسان معيار ذاته ". فأعادوا الحياة لفلسفة بروتاغوراس التي كانت راقدة ومحاصرة بالأرسطية والمسيحية، فهي لذلك نزعة تطوي تحتها كل من كانت له نظرة إلى العالم لا هي لاهوتية أساساً ولا هي عقلانية في المقام الأول وتتمرد على تصورات العصور الوسطى.
وأصبح التنوير يعني التحول من نعيم المسيحية الغيبي في السماء بعد الموت إلى النعيم العقلاني على هذه الأرض. ولذلك يمكن اعتبار البروتستانتية هي بداية الأنسنة في العصور الحديثة باعتبارها ركزت على الإنسان وآمنت بقدرته على الفهم، وشكلت ردة فعل قوية ضد الدين المسيحي الذي يميل بأهله إلى الزهد، وإنكار الذات دون مراعاة لحاجات الإنسان ورغباته الأساسية، واتجهت الأنظار لمركزة الإنسان بدلاً من الله عز وجل وتمثل ذلك في:
- الاهتمام بالحياة الدنيوية والعمل والنشاط بدلاً من حياة التأمل والتفكير المجرد.
- دفع المجتمع باتجاه التنافس والإبداع والمجد في هذا العالم.
- تبني معيار جديد للقيم علماني الطابع بحيث ينظر إلى العالم عن أنه نتاج لفعاليات الإنسان ومحاولاته وتجاربه.
- التأكيد على ضرورة التعليم ومركزيته، والتعليم المقصود هو التعليم الدنيوي الذي يخدم الإنسان في هذه الحياة بعكس ما يسعى لتكريسه اللاهوت المسيحي.
- التأكيد على قدرة الإنسان في مواجهة القدر، وحريته في تشكيل حياته الشخصية، وقدرته على تحقيق طموحاته وفق مواهبه دون اعتداد بالفاعلية الإلهية. ويعبر " رابليه " أحد هؤلاء الإنسانيين عن وجهة نظر هؤلاء في معنى الحرية عندما يصور ديراً علمانياً يضم الجنسين وقد كتبت على بوابته عبارة تقول: " إفعل ما بدا لك ".
ثم تفاقمت الأنسنة في عصر التنوير بسبب الاكتشافات العلمية وبروز جيل واسع من المثقفين تجمعهم الرغبة في التخلص من التدخل الكنسي في شؤون الحياة الفردية والاجتماعية واتفق أغلب الإنسانيين على استبعاد التفسيرات التي تقدمها أديان الوحي واعتبارها ضرباً من الأوهام. وإذا كانت هناك ضرورة لقراءة الكتاب المقدس فيمكن قراءته قراءة رمزية بحيث يصبح من الممكن أن يكون الإله إنساناً.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير