تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يمكن إذا أردنا أن نشير إلى أبرز الفلسفات الإنسية أن نعتبر فلسفة سبينوزا 1634 – 1677 م تكريساً لهذا الاتجاه، وذلك عندما أنزل الإله من عليائه وأدمجه في الطبيعة وجعله مساوياً لها، بل أصبح العالم – عنده - هو الله سبحانه وتعالى، واقترب الإله السبينوزي جداً من الإنسان، لأنه أصبح إلهاً ذا قدرات محدودة ولا يملك المشيئة الكاملة.

وتُصنَّف فلسفة فختة أو فشتة 1762، 1814 م الألماني في هذا الاتجاه الإنسي الذي لا يقبل من الوحي إلا ما يتطابق مع العقل، وماهية الدين عنده أن يؤمن الإنسان بالنظام الخلقي، ويعتبره مصدر واجباته ويساعد على نموه، ولا بأس أن يُشخِّص شعوره بهذا النظام في موجود معين إذا كان الغرض تقوية هذا الشعور في ضميره، أما إذا تصور الله سلطاناً حاكماً آمراً وانتظر من وجوده لذَّات مقبلة كان عابد صنم، وكان جديراً بأن يُدعى ملحداً. وإن الإله الحقيقي عنده هو الإنسان والنظام والحرية التي تتحقق في العالم بالتدريج.

أما أوجست كونت 1768، 1857 م فقد عُرف بدين الإنسانية الذي يقوم على عبادة الإنسانية بدلاً من عبادة الله عز وجل. ويقسم التاريخ الإنساني إلى ثلاث مراحل: المرحلة اللاهوتية، والمرحلة الميتافيزيقية، والمرحلة الوضعية. والمرحلتان الأوليتان تجاوزهما العلم، ويجب أن تزولا من الحياة، ويجب أن تسود الفلسفة الوضعية بنظره لأنها إيجابية وبناءة، وتجعل الموجود الأعظم هو البشرية، وإذا كان لا بد للناس من موجود عظيم يعطونه ولاءهم فيجب أن يكون هو البشرية، وعلينا أن نصلي ونترنم للبشرية بدلاً من الله عز وجل. وإذا كان لا بد للناس من ثالوث يعظمونه فليكن هذا الثالوث هو: الإنسانية " الموجود الأعظم " والسماء أو الهواء " الوسط الأعظم " والأرض " الفيتش الأعظم " وشعار هذا الثالوث هو: المحبة كمبدأ، والنظام كأساس، والتقدم كغاية.

والعبادة عنده مشتركة وفردية أما المشتركة فتقوم على أعياد تذكارية يُكرَّم فيها عظماء البشرية عرفاناً بجميلهم، وقد وضع كونت تقويماً واقعياً دل فيه على كل يوم وكل شهر بأسماء الرجال الذين امتازوا بالعمل على تقدم الإنسانية، وأما العبادة الفردية فعلى كل شخص أن يتخذ لنفسه أشخاصاً أعزاء عليه يجعلهم مثلاً أعلى يحتذى بهم في حياته.

إلا أن أبرز ممثلي النزعة الإنسية هما لودفيج فيورباخ 1804، 1872 م وفريدرش فلهلم نيتشة 1844، 1900م وكلاهما ألماني.

كان فيورباخ يرمي في فلسفته إلى إزالة إله المسيحية ومطلق هيجل، ويرى أن مهمته الأساسية هي تأنيس الإله واعتبار الوجود الحقيقي الفعلي صفة للإنسان وحده، فالإنسان عنده هو الإله الحقيقي الوحيد لنفسه، والله ليس إلا تجسيداً للطبيعة الإنسانية في طموحها إلى الكمال "" فالإنسان يبدأ بأن يرى طبيعته وكأنها خارج نفسه قبل أن يجدها في نفسه، وفي الحالة الأولى يتأمل نفسه وكأنها نفس كائن آخر، وليس الله سوى هذه الطريقة العازلة في النظر إلى الماهية الإنسانية، وكأنها كائن آخر، فهو المثل الأعلى للماهية الإنسانية التي نجردها من أفراد التجربة ثم نعزلها كرصيد حقيقي لكل صفات الطبيعة الإنسانية وكمالاتها، والدين هو عملية إسقاط وجودنا الجوهري على مجال الألوهية المثالي، ثم العودة إلى إذلال أنفسنا أمام ماهيتنا الخاصة التي أحلناها إلى موضوع، والواقع أن الناس في عبادتهم لله يمجدون ماهيتهم المعزولة منظوراً إليها من مسافة مثالية "".

وأما نيتشة فقد أعلن عن موت " الله [سبحانه وتعالى] من أجل أن يفسح المجال للإنسان، لأن الاعتقاد بالله " عز وجل " - في نظره - يحول دون تأكيد الإنسان لذاته. ولذلك يقول: "" لو كان هناك إله فكيف كنت أطيق أن لا أكون إلهاً "". ودعا إلى الإنسان الأرقى أو الإنسان الأقوى، وأخلاق القوة، وسخر من الضعفاء والفقراء الذين يحسبون أنفسهم صالحين لأنهم لا يملكون مخالب لينشبوها في الآخرين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير