تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وحارب المسيحية لأنها تحض على أخلاق الرقيق كالحب والتسامح والغفران والتواضع وقال عن العهد الجديد بأنه إنجيل إنسان من نوع وضيع، لأن مثله الأعلى إنسان متجرد تماماً من التعاطف والرحمة، متحجر القلب، لا يعرف الشفقة، خبيث لا يعبأ إلا بقوته. وهو يعلل نفسه بأن تغدو الحياة أكثر شراً ومعاناة دائماً، ويرغب بالقضاء على الملايين من الضعفاء والفقراء، لأنه لا يؤمن إلا بالبطل وأخلاق القوة.

على هذا الشكل تتوزع فلسفات أخرى متعددة في أوربا تكرس المركزية الإنسية كالفلسفات النفعية التي نادى بها بنتام 1748، 1832 م وجون استيوارت مل 1806، 1873 م ووليم جيمس 1842، 1910 م وجون ديوي 1859، 1952 م وبرجسون الذي يعتبر الله عز وجل " كامن فينا، وفي أعماقنا الذاتية فهو محايث وليس مفارقاً، وكلما تغلغلنا في أعماقنا عثرنا على الله سبحانه وتعالى.

ولا ننس أيضاً الفرويدية التي تعتبر الحاجة إلى التدين حاجة نفسية تنبع من الخوف ومحاولة الانتصار على هذا الخوف بأنسنة الطبيعة، وخلق إله يتمتع بنفس الصفات التي يرغب الإنسان نفسه بها، ولذلك فالتدين عند فرويد مرض عصابي قهري يصيب الأفراد كما يصيب المجموع. هكذا يجب أن نفسر - بنظره - ديانات الإنسانية فما هي إلا استرجاع لحوادث عفى عليها الزمن وطواها النسيان من التاريخ البدائي للبشرية.

أما في القرن العشرين فإن أبرز الفلسفات التي تمجد الإنسان هي الوجودية وقد عرضها سارتر في محاضراته على أنها مذهب إنساني مغلق أي أن الإنسان هو الخالق الوحيد للقيم في العالم، والإنسان متروك لذاته لكي يحقق ما يستطيع من القيم والإنسان وحده هو الذي يوجد خارج ذاته ولذلك فإن الفكرة الأساسية في الوجودية هي فكرة " الإنسان الأوحد " "" إنني لست إلا ذاتي "" ولذلك يرفض الوجودي أن يُحشر ضمن مجموعة من الناس أو يُصنَّف فيها. وموقفها من الخالق عز وجل هو ترديد لموقف الفلسفات الإلحادية الإنسية التي سبقته فعنده فكرة الله عز وجل كغيرها من الأفكار من نتاج الوعي الإنساني الخلاق، ومع ذلك فثمة شيء في هذه الفكرة الخاصة يجعلها اختيارية صرفة، بل هي من الأفكار الحتمية التي لا مندوحة للعقل عنها، لأنها تعبر عن ميل ضروري في طبيعتنا "" فالإنسان في جوهره رغبة في أن يكون إلهاً "" ولذا عليه أن يبدع قيمه الخاصة دون اعتماد على أي معيار إلهي.

"" وألح سارتر في تحليل النواحي القذرة في الإنسان في قصص تلقى رواجاً كبيراً"". واعتبر الوجود الإنساني سابقاً على الماهية، ولذلك ليس في الإنسان شيءٌ يحد من حريته أو يقيد سلوكه، وعلى الإنسان أن يفسر الأشياء بنفسه كما يشاء، لأنه محكوم عليه في كل لحظة أن يخترع الإنسان، وما الإنسان إلا ما يصنع نفسه، وما يريد نفسه، وما يتصور نفسه بعد الوجود. والوجود لديه نوعان: وجود ذاتي، ووجود موضوعي، فالوجود الذاتي هو وجود الإنسان، أما الوجود الموضوعي فهو وجود كل ما عداه، وهو بنظرهم وجود تافه لا قيمة له إلا من حيث أنه يدور على محور الوجود الإنساني ويسعى إلى تحقيقه. فالوجود الرئيس في الفلسفة الوجودية هو الوجود الإنساني والموضوعات السائدة فيها هي: الحرية واتخاذ القرار الحر والمسؤولية وتحقيق الإنسان لذاته الحقة وتتكرر لدى الوجوديين مفردات مثل التناهي والإثم والاغتراب واليأس والموت لتعبر عن العصر الغارق في الشك والإحباط والعدمية وهكذا لم تكن الوجودية إلا جزءاً في كل الحداثة التي تعني: "" أن الإنسان هو ما يفعله "".


سؤال:
ماذا عن الأنسنة في العالم العربي؟

أولاً - النُسخ العربية:
يمكننا أن نفرز ثلاث نسخ أساسية مترجمة إلى العربية عن الإنسية الغربية وكل نسخة من هذه النسخ تمثل شكلاً من أشكال الأنسنة أو بعداً من أبعادها:

النسخة الأولى:
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير