تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القصيمية " النيتشوية " يمكننا أن نعتبر عبد الله القصيمي نيتشة العربي وإذا كانت الإنسية تعني تمجيد الإنسان على حساب الخالق عز وجل فإن القصيمي قد بلغ الذروة في ذلك، وتفنن في التعبير عن جبروته وطغيانه وسخريته من الباري عز وجل بشكل قد لا يوجد له مثيل في تاريخ الزندقة والإلحاد إلا عند نيتشة. يَعتبر القصيمي فكرة ألوهية المسيح دعوة لكل الناس إلى التأله، والارتفاع إلى مستوى الألوهية، وما انتصار الإنسان في الحضارة الحديثة على الأمراض المستعصية إلا خطوة في طريق ألوهية الإنسان وتجسيد عظمته وجبروته وكبريائه. حتى لقد كاد الإنسان بنظره أن يصبح إلهاً يمشي على الأرض يقول للشيء كن فيكون. وإذا كان هناك إله فإن الإنسان قد خُلق لينازع هذا الإله في علمه وقدرته وقوته. وإذا كان الإنسان لا يمكنه أن يسمو إلى صفات الكمال فإن القصيمي يسعى لإنزال الخالق " سبحانه وتعالى " من عرش الكمال والجلال لكي يتساوى بالإنسان، وبذلك يصبح الإله أقرب إلى الإنسان فيوصف الباري عز وجل في العبثية القصيمية بكل صفات الضعف البشري، والمجون، وكل حاجاته من طعام وشراب ونوم وجنس، وهو في كل ذلك يتفنن في التعبير عن إلحاده البغيض بكل فنون السخف والعدمية النيتشوية.

النسخة الثانية:

د. عبد الرحمن بدوي " الوجودية " وهو أول وأبرز - فيما أعلم - من أدخل الوجودية كمذهب إنسي إلى الفكر العربي، وتابع أستاذه سارتر في التأكيد على محورية الإنسان، فالأنسنة عنده هي العود المحوري إلى الوجود الروحي الأصيل. والوجود الحق أو الوحيد بنظر الوجودية هو الوجود الإنساني، فكل شيء من الإنسان وإلى الإنسان بالإنسان، ومعيار التقويم هو الإنسان، وتلح الوجودية البدوية على فكرة " الإنسان الأوحد " وتقارن بين هذه الفكرة الوجودية وبين ما يتردد لدى أصحاب التصوف الفلسفي عن "الإنسان الكامل".

النسخة الثالثة:

الحسنفية " الفيورباخية و " السبينوزية ": يُعتبر المشروع الحسنفي [نسبة إلى حسن حنفي] نسخة ملفقة من مجموعة فلسفات غربية أبرزها الفيورباخية، والسبينوزية، والهوسرلية – نسبة إلى هوسرل - والشبنغلرية – نسبة إلى شبنغلر – واللسنجية – نسبة إلى لسنج. والجانب البارز فيه من هذه الفلسفات هو النزعة الإنسية، والتركيز على الإنسان. ولكنه يحاول أن يُلوِّن نسخته العربية ويزركشها ببعض المنمنمات الإسلامية عن طريق استخدام الدين " كأيديولوجيا" لتحقيق مشروعه في الأنسنة "" تحويل الوحي إلى إيديولوجية "". "" تحويل الوحي ذاته إلى علم إنساني "" ولذلك فالأثر الفيورباخي أكثر ظهوراً من غيره بشكل واضح حتى لقد وصف المشروع الحسنفي بأنه " مشروع فيورباخي تماماً منقول التطبيق من المسيحية إلى علم الكلام في الإسلام، وغايته الانتقال من علم الله إلى علم الإنسان.


سؤال:
ما خطورة الأنسنة على الثوابت العقدية؟

ليس من المهم أن نكتشف مدى الاجترار العلماني وخطورته، وإنما المهم أن نلاحظ أن مصادمة الثوابت هي السمة البارزة لهذا الاجترار، فكأن الغربيين اختُزلت جهودهم النهضوية في هذه السمة ولا يوجد غيرها، لتنقل إلينا كمشاريع للإصلاح والنهضة بكل ما تتضمنه من استفزاز، وتثيره من رفض، ولا يقف الأمر عند حد الاستيراد للمشاريع الآنفة الوصف، وإنما لا بد من تطعيمها بجذور تراثية يتم التنقيب عنها في طبقات رسوبية بعيدة القعر، وهي جذور ميتة في الأساس، ولكن يراد لها أن تُسقى وتُهيأ لها التربة وتُستنبت من جديد لكي ترفد الفلسفات الإلحادية المستوردة.
ولذلك نجد أن أبرز من يمثل النزعة الإنسية في تاريخنا عند دعاتها المعاصرين هم ثلة من الزنادقة والمُجَّان الذين ظهروا ثم اندثروا في الحضارة الإسلامية من أمثال بشار بن برد، وابن الراوندي، والرازي، وأبي نواس، ويُقدَّم هؤلاء على أنهم قادة الفكر والحرية والممثلين الحقيقيين للنزعة الإنسية في الفكر العربي، لأنهم جعلوا الإنسان مركز الوجود، وأعلوا من شأن العقل وفاعليته.
وكانوا – بنظر الخطاب العلماني - ثواراً إنسانيين في مواجهة الإسلام الذي يعتبرونه ضد الثورة، ولا يسمح بها، تلك الثورة التي تعني تغييراً في نظرة الإنسان إلى الكون والحياة.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير