تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي هذا الإطار يدعونا هؤلاء إلى أن نفهم أهمية ثورة الزنج والقرامطة فقد كانت ثورة ضد الظلم والقمع والاضطهاد، كانت ثورة لتوليد الشروط الملائمة لحياة الإنسان. وهو ما يعني - بنظرهم - نفي النبوة الإسلامية، وإقامة نبوة على أنقاضها، وإقامة دين العقل، ودين الإنسان. ولم يعد الدين هبوطاً ليس للإنسان فيه إلا دور التلقي، بل أصبح صعوداً للإنسان فيه دور الإبداع "" الدين للإنسان، وليس الإنسان للدين "".

وهكذا كان الرازي وابن الراوندي مؤسِّسيَن للعقل مكانه بديلاً للوحي، ومؤسِّسَين لحرية الإنسان وممهدين للتحرر من الانغلاقية الدينية. ومثلهما مسكويه والتوحيدي عند أركون في ترسيخ الأنسنة، باعتبارها موقفاً نضالياً ضد نوعين من العنف يمارَسان ضد الإنسان على مدى تاريخه: عنفٌ مقدس يخلع المشروعية على ذاته من خلال التعاليم الإلهية للأديان والتي لم تتعرض بعد للنقد العلمي. وعنف مادي أو دنيوي: محض يشكك في قدرة الإنسان على تحسين طبيعته البشرية. وعلى ذلك فالموقف الإنسي يمثل مقاومة الإنسان لكل ما يريد أن يسحق إنسانيته وحريته. فالعقل لوحده قادر بنفسه وبإمكانياته الخاصة على تحقيق التقدم للبشرية. وفهم كل الأشياء والسيطرة عليها، وهو جدير أيضاً بمخاطبة الإله وطرح الأسئلة عليه.

ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بإلغاء النبوة، ومن هنا يحرص الخطاب العلماني على الإشادة بكلمة محمد إقبال في هذا الخصوص والتي يقول فيها: "" إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمداً إلى الأبد على مِقْود يُقاد منه، وأن الإنسان لكي يُحصِّل كمال معرفته لنفسه، ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو "". فيُعتبر هذا النص بنظر الخطاب العلماني دعوة من الفيلسوف والشاعر الإسلامي إلى التحرر من النصوص واستقلال الإنسان بشكل مطلق، وإنهاء أي مصدر آخر للمعرفة خارج الإنسان ومؤهلاته الذاتية، وإيذان بانفتاح عهد جديد في وجه البشرية قاطبة وقد بلغت سن الرشد لكي تتحمل مسؤولياتها، وتبعات اختياراتها.

وبذلك يكون محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ختم النبوة ليقضي على التكرار، والاجترار ليفتح المجال للمستقبل الذي يبنيه الإنسان مع أبناء جنسه في كنف الحرية الذاتية والمسؤولية الفردية والتضامن الخلاق.

من الواضح أن أهم ملمح تؤكد عليه النزعة الإنسية هو إنكار أي معرفة خارج الإنسان " كالوحي أو الدين " وتحقيق الإنسان لقواه وقدراته الخلاقة واعتبار السعادة الإنسانية غاية في ذاتها لا تتطلب أي تبريرات خارج الإنسان ".

ولكن تحقيق الإنسان لقواه وقدراته الخلاقة لا يمكن أن يتم إلا بظهور " الإنسان الكوني " كما يأمل مراد وهبة، حيث يتمكن الإنسان من ناصية الكون والغيب، ويحصل ذلك عندما يكتمل الوعي الإنساني، ويتحد الإنسان بالكون وهو ما سيتحقق بنظر - وهبة - استناداً إلى قانونين:

- قانون النشوء والارتقاء.

- وقانون الانتقال من الكم إلى الكيف.

والفيزياء النووية هي بداية الخيط في تحكم الإنسان بالكون، وستسهم في بزوغ الإنسان الكوني. وغزو الفضاء يستلزم تعَوُّد الإنسان على الحياة في الفضاء، وهو من شانه أن يُحدث تغييراً جذرياً في الإنسان ينبئ ببزوغ نوع جديد يكون في مقدوره تمثل الأبعاد الأربعة للزمكان الذي تنبأ به أينشتاين، ومن شأن هذا التمثل أن يسمح للإنسان برؤية الأحداث قبل أن تقع فتزول غربة الإنسان في الكون.

وغربة الإنسان في الكون يعمقها الدين، وبالتحديد مقولة الفارق [أي الله عز وجل] التي تعني أن الله هو السيد، والإنسان هو العبد، وهو نقيض للأنسنة التي يرغب بها الخطاب العلماني.

لقد تفرغ فيورباخ لنقد هذا الاغتراب، ولكنه - بنظر مراد وهبة - غير مجدٍ لأنه على المستوى النظري لا يفضي إلى الحل، رؤية ماركس هي التي تؤدي إلى تحرير الإنسان من الاغتراب، لأنه يرى أن الإنسان هو الذي يصنع الدين وليس العكس، فالدين في حقيقته هو الوعي الذاتي للإنسان. والدولة والمجتمع هما اللذان يصنعان الدين: الوعي المقلوب للعالم، ولهذا فإن النضال ضد الدين هو نضال بطريق غير مباشر ضد اغتراب الإنسان.


سؤال:
أرجو التكرم بتلخيص ما سبق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير