تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بناءً على ما أوجزناه سابقاً من تاريخ الأنسنة في الفكر الغربي، ثم انتقال ذلك إلى الفكر العربي الإسلامي لعلنا نستطيع أن ندرك بسهولة أن المداخل التي يستند عليها الخطاب العلماني لقراءة النص القرآني قراءة " تاريخية " هي بالفعل مداخل أو أسس وهمية، وأن الأساس الحقيقي هو النزعة الإنسية التي بالغت في تمجيد العقل الإنساني، وإحلاله محل الوحي والإله سبحانه وتعالى، ومما ساعد على سرعة انتشار هذه النزعة الإنسية وتفاقمها اكتشافات الإنسان المتلاحقة للكون، وبروز قدرات خارقة أنجزها العقل الإنساني كانت أقرب إلى الخيال في العصور السالفة، وهو ما أصاب الإنسان بغرور شديد وصلافة وغطرسة، وأبرز ما تجلى ذلك في تعامله مع المقدسات والمطلقات، وخصوصاً النصوص الدينية.

إن قراءة النص المقدس والقرآن الكريم كمثال - في داخل هذا المنظور - يجب أن تتخلص من كل المعايير والضوابط التي تحول دون مراد الإنسان أياً كان هذا المراد، وكما صرح بذلك الخطاب العلماني فإن الهدف الأساسي هو التحرر من سلطة النصوص، ومن المعلوم أن النصوص ليست شيئاً يقيد الإنسان إلا من خلال مضامينها وما تطرحه من رؤى متضمنة في داخل لغة بشرية يفهمها الإنسان، ومن هنا يجب قبل كل شيء، إزاحة اللغة كمعيار وضابط يحول دون تحقيق الإنسان لمراده، وطرح بدائل جديدة تكون أكثر مرونة ومتحررة من المعايير كالمقاصد، والمقاصد المرادة هنا هي ليست مقاصد الخالق عز وجل وقائل النص، وإنما مقاصد الإنسان ومراداته، وأهدافه وغاياته، ومما يرفد ذلك أيضاً المنهج الأدبي حيث يقلل من معيارية اللغة وضبطها للمعاني، لأنه في المنهج الأدبي يحتل المجاز دوراً قبل الحقيقة، ولا يشترط لاختياره تعذر الحقيقة أصلاً، وتصبح الكلمات رموزاً وإشارات يقوِّلها الإنسان ما يشاء.

وهكذا كما ألح الخطاب العلماني يصبح القرآن بالفعل لا يقول شيئاً، ويقول كل شيء، والعبارة في الحقيقة إذا أردنا أن تكون دقيقة فالمقصود أن القرآن لا يقول شيئاً لا يرغب به الإنسان، ويقول كل شيء لكل إنسان، فهو فضاء لكل إسقاطات الإنسان ورغباته وفكرانياته. ويصبح القرآن بذلك عجينة يُصنع منها ما يشاء من الأشكال والألوان، وتصبح مهمة القرآن في كل هذه الحالات ليست مهمة معيارية قيادية تربوية، وإنما مهمة ترويجية تبريرية، وعلى كل إنسان أن يختار معتقده وسلوكه أولاً ثم يبحث في القرآن عما يبارك له في ذلك، وهو ما لن يُعدمَه إذا ما أحسن استخدام المداخل الآنفة التي يسلكها الخطاب العلماني.

وهكذا يبدو لنا بوضوح أن الأنسنة تعتبر ركيزة أساسية أولى في تحقيق القراءة التاريخية التي يتوخاها الخطاب العلماني للنص القرآني ولكي نزيد الأمر وضوحاً سننظر في انعكاسات هذا المنزع الإنسي على النظرة العلمانية إلى الوحي.

=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-

الوحي

سؤال:

ما يهمنا هنا في ملتقى أهل التفسير، هو الوحي. ولنبدأ من الجذور الفلسفية لموقف العلمانيين من الوحي.

إن الهاجس الأساسي الذي يسيطر على الخطاب العلماني الوضعي هو استبعاد أي تفسير مفارق للوحي، وإقصاء أي مفهوم غيبي أو سماوي، وهو ما يعني قبول كل مفهوم يكرس بشرية الوحي، ويؤكد على " وضعانيته " وإنسيته حتى لو اقتضى ذلك مناطحة الحقائق ومشاكسة البدائه.

الوحي عند علماء المسلمين هو إعلام الله تعالى لنبي من أنبيائه بحكم شرعي أو هو كلام الله تعالى المنزل على نبي من أنبيائه. أو هو أن يُعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر.

والمقصود بالوحي الذي نتحدث عنه هنا هو وحي الله عز وجل إلى أنبيائه فليس حديثنا عن أنواع الوحي الأخرى، والتي تُفسَّر بحسب سياق الآيات أو قرائن الأحوال كالوحي إلى النحل أو الوحي إلى مريم عليها السلام، أو إلى أم موسى عليهم السلام جميعاً.

وأما عند الفلاسفة فالوحي: "" إلقاء خفي من الأمر العقلي بإذن الله تعالى في النفوس البشرية المستعدة لقبول مثل هذا الإلقاء "". أو هو "" إفاضة العقل الفعال على العقل المنفعل بتوسط العقل المستفاد ". وعند الشيخ محمد عبده الوحي هو "" عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة "".

- مكمن الخطأ:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير