تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأبرز مظاهر الارتباط بين لسانيات سوسير والبيئة الفلسفية التي نشات فيها يمكن أن يظهر في العلامة، والعلامة اللغوية والرمزية بالذات، فلقد كانت الكلمة المفردة ممثلة لشيء محدد في الواقع الخارجي داخل رؤية جزئية، فأصبحت اللغة عبارة عن تراكيب وأنساق من مفردات لغوية ترمز لعمليات ذهنية في إطار رؤية سياقية. إنه تطور يعبر عن ابتعاد تدريجي عن الوضوح والشفافية الأولى التي كانت تتميز بها اللغة كما منحها الله عز وجل للبشر.

لكن الأمر لم يقف عند حد الابتعاد عن الوضوح، وإنما تحول فيما بعد على يد شتراوس وياكبسون ورولان بارت وميشال فوكو إلى ألغاز وشفرات، وتطور مفهوم العلامة إلى رمزية معقدة لا يمكن أن تعني شيئاً، ولكنها يمكن أن تعني كل شيء. وهو ما نريد أن نخلص إليه في هذه الفقرة، وهو أن مفهوم العلامة في اللسانيات أتاح أو استُغل لكي يصبح أساساً تُبنى عليه النظريات اللغوية اللاحقة كالبنيوية والتفكيكية التي تقرأ في النص كل شيء وهو ما سيقرأ العلمانيون من خلاله النص القرآني.


- البنيوية:
"" جاء لفظ البنيوية من البنية، وهي كلمة تعني الكيفية التي شُيِّد عليها بناء ما، وبناء على ذلك أصبحت الكلمة تعني الكيفية التي تنتظم بها عناصر مجموعة ما، أي أنها تعني مجموعة العناصر المتماسكة فيما بينها بحيث يتوقف كل عنصر على باقي العناصر الأخرى، وبحيث يتحدد هذا العنصر بعلاقته بتلك العناصر، فالبنية هي مجموع العلاقات الداخلية الثابتة التي تميز مجموعة ما، بحيث تكون هناك أسبقية منطقية للكل على الأجزاء. وعلى هذا فالبنيوية تهتم بكشف الارتباطات القائمة بين البنيات المختلفة بعضها ببعض "".
و"" تُعنى البنيوية في معناها الواسع بدراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات والعقول واللغات والاداب والأساطير، فتنظر إلى كل ظاهرة من هذه الظواهر بوصفها نظاماً تاماً، أو كلا مترابطاً، أي بوصفها بنية، فتدرسها من حيث نسق ترابطها الداخلي لا من حيث تعاقبها وتطورها التاريخيين، كما تُعنى أيضاً بدراسة الكيفية التي تؤثر بها بُنى هذه الكيانات على طريقة قيامها بوظائفها. أما في معناها الضيق والمألوف فالبنيوية محاولة لإيجاد نموذج لكلٍّ من بنية هذه الظواهر ووظيفتها، على غرار النموذج البنيوي للغة، وهو النموذج الذي وضعته الألسنية في أوائل القرن العشرين ... ويمثل كتاب فرديناند دو سوسور " محاضرات في الألسنية العامة " نسخة باكرة من النموذج البنيوي للغة، أما محاولات تطبيق هذا النموذج على الأدب فتعود إلى عام 1928م حين وضع كل من جاكوبسون وتينيانوف برنامجاً بهذا الخصوص وكانت تلك بداية البنيوية الأدبية "".
نتبين مما سبق أن البنيوية اللغوية مرتبطة جنينياً باللسانيات لأنها أتاحت للوعي أن يكتشف خبايا اللغة الطبيعية، فاللغة هي الرحم الأولى لنشأة المعيار البنيوي، فهي على ذلك فرع من الألسنية. وعلى ذلك تعرف البنيوية الأدبية بأنها "" الكشف عن النسق أو النظام الكلي الذي يُفترض وجوده وانتماء النص اللغوي إليه، وذلك عن طريق دراسة الأنساق الصغرى "". ويعتبر رومان ياكبسون أول من نحت مصطلح بنيوية في مؤتمر عقد سنة 1929م. ولكن الأب الروحي للبنيوية والذي يعتبر من أشهر مؤسسيها هو الفرنسي كلود ليفي ستروس إلى جانب مفكريها المشهورين أيضاً أمثال لوي ألتوسير، وميشال فوكو، ورولان بارت.
انعكست الفلسفة الماركسية على المفهوم البنيوي وذلك عبر مقولتها في البنية الفوقية والبنية التحتية، فالبنية الفوقية هي " الأيديولوجيا " والدين والسياسة والثقافة والقانون، أما البنية التحتية أو القاعدة فهي القوى الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات المتغيرة بينهما من صراع طبقي مستمر بين قوى مسيطرة وقوى مقهورة، وفي ظل هذا المفهوم فإن مكونات البنية الفوقية لا يمكن دراستها بمعزل عن البنية التحتية التي تحددها وتحكم حركتها، ومن هنا فلا نستطيع أن نناقش الثقافة أو الأدب بمعزل عن القوى التي تحكم النظام الاجتماعي والاقتصادي، والظروف التي تقرر حياة البشر المادية وكما قال ماركس "" ليس وعي البشر هو الذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم "".

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير